البرهان في شِرك التناقضات: حين تتحوّل المراوغة إلى فخ قاتل

بقلم :يوسف فضل فرج الله

اتّضح جليًا أن المشهد السوداني، بما فيه من تعقيدات وتناقضات، أصبح أكثر ضبابية بعد اندلاع حرب 15 أبريل. وعلى رأس هذا المشهد، يبرز عبد الفتاح البرهان، الذي لا يزال يحاول الرقص على جميع المسارح، ما عدا مسرح الحقيقة. الرجل الذي قال لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قبل الحرب مقولته الشهيرة: “البلد دي لو اتفرتقت بتجينا راجعة”. لكنه نسي أو تناسى أن السودان، بعدما تفرتق بالفعل، لن يعود كما كان، ولن يكون وديعة تُحقق له أو لـ”الكيزان” حلمًا مؤجلًا، مهما تفنّن في الخداع والتذاكي والتدمير.

اليوم، يبدو البرهان كمن يخطو بثبات نحو مصيره المحتوم، ضحية لفيلم باهت من الإخراج السياسي الرديء، يتقن فيه دور المراوغ، لكنه فشل في كسب أي مشهد من مشاهد الحقيقة. دماء الشعب السوداني التي سالت، وخيانة الثورة، ستظل تطارده، مهما بدت له الانتصارات اللحظية.

يتبع البرهان سياسة “اللعب على الحبال”، وهو أسلوب ليس جديدًا في السياسة السودانية، لكنه في زمن الحرب والانقسام صار أكثر خطورة. فمن جهة، يسعى لتحالف عسكري/عقائدي مع إيران، بحثًا عن دعم لوجستي وتسليحي – خاصة في مجال الطائرات المسيّرة. ومن جهة أخرى، يحاول في الوقت ذاته استرضاء تركيا ذات المرجعية السنية العثمانية، التي تبدي اهتمامًا استراتيجيًا بموانئ البحر الأحمر، لكنها تتعامل بحذر في ظل خريطة إقليمية معقدة.

أما في المحور الثالث، فيتودد البرهان إلى مصر التي تقف موقفًا مضادًا للإسلام السياسي، ويغازل معها اليمين الأمريكي، لا سيما بعد فوز دونالد ترمب ، فضلًا عن التواصل مع إسرائيل، في محاولة لتأمين دعم دولي يوازي تحركات الدعم السريع لبناء تحالفات إقليمية أكثر استقرارًا وربما أكثر شرعية.

هذا الارتباك في السياسة الخارجية ليس مجرد تكتيك مرحلي، بل انعكاس حقيقي لصراع داخلي متفاقم داخل التيارات الإسلامية نفسها. ففي تيار “المؤتمر الوطني” التقليدي، هناك من يسعى للعودة إلى المشهد عبر تحالفات مع الجيش، في محاولة حذرة لإعادة التموضع. في المقابل، هناك تيارات أكثر تطرفًا، مثل مجموعة البراء و”درع السودان”، تنزع نحو العمل المسلح المباشر، على غرار “فصائل العقيدة”، وهي مستعدة لتشكيل فيالق قتالية مدعومة من معسكرات خارجية.

إعلان “البراء” عن نفسه أمس كـ”فيلق” هو مؤشر اكثر خطورة لا يعكس فقط انفلاتًا في مركز القرار، انما يبدو حالة من التفسخ الحقيقي لمؤسسة الجيش وسيُدخل البلاد في مشهد ميليشياوي متعدد الرؤوس، تغذيه أجندات إقليمية متشابكة، وتتقاطع فيه الأيديولوجيا بالعنف.

الفلول الإسلاميون التقليديون يدركون أن الوقت ليس في صالحهم. وإذا لم يتحركوا سريعًا، فقد يفقدون ما يعتبرونه “السيطرة التاريخية على المؤسسة العسكرية”. ولهذا، يمكن قراءة بروز مليشات مثل “البراء” وغيرها سياسيا غير دورها العسكري في الحرب كرد فعل مباشر على التحالف التأسيسي الذي يُبنى في نيروبي، والذي يسعى لتشكيل حكومة شرعية قريبًا في مناطق سيطرة الدعم السريع، ما قد يسحب البساط الدولي من تحت أقدام تحالف البرهان/الفلول.

مشهد اليوم في السودان ليس فقط حربًا بين جيش ودعم سريع، بل صراع نفوذ، وهويات، وتيارات متنافرة تتسابق لملء فراغ الدولة. البرهان قد يكون أبرز لاعبي هذا المشهد، لكنه أيضًا أقربهم للسقوط، لأنه ببساطة يحاول كسب كل شيء… في حين يخسر نفسه

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.