العقوبات الأمريكية…على د.جبريل إبراهيم وكتائب البراء.. رسائل سياسية أم تصعيد ضد الإسلاميين؟
تقرير - عين الحقيقة
أثارت العقوبات الأمريكية الأخيرة التي فُرضت على قيادات في حكومة بورتسودان، من بينهم د.جبريل إبراهيم، وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة وكذلك على “كتائب البراء، ذراع الحركة الإسلامية المسلحة، جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية. وبينما يرى البعض أن هذه العقوبات تأتي في سياق الضغط الدولي المتصاعد لوقف النزاع في السودان، يعتبر آخرون أن تأثيرها الفعلي سيكون محدودًا في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وهيمنة القوى العسكرية والمسلحة على مفاصل القرار الاقتصادي والسياسي في البلاد.

وطبقاً لتقارير صحفية سابقة، فإن تأثير العقوبات على د. جبريل إبراهيم سيكون رمزيًا أكثر منه عمليًا..إذ أن الرجل لا يعتمد على النظام المالي الأمريكي في إدارة أنشطته أو تحركاته السياسية، كما أن حركة العدل والمساواة التي يقودها لطالما ظلت تعمل خارج الأطر المالية الرسمية منذ نشأتها كحركة مسلحة في إقليم دارفور، إبان عام 2003م.
ومع ذلك، فإن الأثر المعنوي والسياسي للعقوبات لا يمكن تجاهله، حيث إنها تضع د.جبريل في مصاف الأسماء المتهمة بالمشاركة أو التواطؤ في أعمال عنف، وهو ما قد يُستخدم ضده في أي مفاوضات سياسية مقبلة أو ترتيبات للانتقال الديمقراطي.
كتائب البراء، فهي واحدة من التشكيلات الجهادية المرتبطة بالحركة الإسلامية السودانية، وتتهم بارتكاب انتهاكات ميدانية في عدة مواقع من البلاد..
أما كتائب البراء، فهي واحدة من التشكيلات الجهادية المرتبطة بالحركة الإسلامية السودانية، وتتهم بارتكاب انتهاكات ميدانية في عدة مواقع من البلاد.. ورغم أن الكتائب لا تمتلك حسابات مصرفية أو مصالح في الولايات المتحدة، فإن إدراجها ضمن قوائم العقوبات يُمهد الطريق لاحتمال تصنيفها مستقبلاً كمنظمة إرهابية، مما يضع قادتها والمتعاونين معها تحت طائلة القانون الدولي.

وفيما يخص عقوبات الخزانة الأميركية المفروضة مؤخراً على هذه الأطراف في مشهد حكومة بورتسودان، يقول محلل سياسي فضل حجب اسمه ل”عين الحقيقة” إن العقوبات مجرد أدوات للتخويف ولا تملك أثراً حقيقياً على الأرض، مشيراً إلى أن الإسلاميين منذ تسعينيات القرن الماضي طوروا أدواتهم للتحايل والمراوغة ضد العقوبات الدولية، عبر شبكات دولية وإقليمية متخصصة في الإفلات من الرقابة.
وكمثال على تلك التكتيكات، لفت المحلل إلى استمرار دخول السلاح عبر دولتي إريتريا ومالي رغم الحظر، وتهريب قطع غيار الطيران وحتى طائرات كاملة من خلال رشوة مسؤولين في دول الجوار مثل جنوب السودان.
محلل سياسي: حيازة أسلحة كيميائية التي ضبطت في منطقة كازقيل بولاية شمال كردفان، تفضح فشل المجتمع الدولي في ردع الجيش والمليشيات المتحالفة معه، رغم العقوبات المفروضة..
وفي سياق الأمر، يُسلط المحلل السياسي الضوء علي هذه القضية، مشدداً علي أن حيازة أسلحة كيميائية التي ضبطت في منطقة كازقيل بولاية شمال كردفان، تفضح فشل المجتمع الدولي في ردع الجيش والمليشيات المتحالفة معه، رغم العقوبات المفروضة. وفيما يتعلق بـ”كتائب البراء، الذراع الحركة الإسلامية السودانية المسلحة، يري المحلل أن فرض عقوبات عليها لا يحمل معنى فعلياً، إذ إنها جزء من شبكة أوسع تضم فاعلين سياسيين من اليمين واليسار، يعملون جميعاً على تمكين الإسلاميين بدوافع قبلية، عنصرية، وجهوية.
وبدوره، ينفي المحلل السياسي وجود تمايز بين جماعات كتائب البراء والنشطاء الجذريين من اليسار أو الليبراليين، فجميعهم يسعون في نهاية المطاف لخدمة أجندة الإسلاميين، وإن اختلفت الشعارات. وزاد: العقوبات وحدها لا تكفي، بل يجب أن يُعاد النظر جذرياً في أدوات الضغط الدولي.
وحيال انعكاس العقوبات علي حكومة بورتسودان من الناحية اقتصادية، بَيّنَ المحلل السياسي أن السودان يعيش حالة من الفوضى الاقتصادية والمؤسسية العميقة، نتيجة لغياب كامل للنظام المالي والإداري المتعارف عليه في الدول ذات السيادة المؤسسية.
محلل: الدولة السودانية، تفتقر لأي منظومة مالية واضحة لإدارة المال العام، مشيراً إلى غياب نظام الصادر، الوارد، وعائدات الصادرات، وتحويل كل الإيرادات إلى وزارة المالية التي باتت تصرف الأموال خارج الأطر البنيوية للميزانية..
وذكر المحلل السياسي أن الدولة السودانية، تفتقر لأي منظومة مالية واضحة لإدارة المال العام، مشيراً إلى غياب نظام الصادر، الوارد، وعائدات الصادرات، وتحويل كل الإيرادات إلى وزارة المالية التي باتت تصرف الأموال خارج الأطر البنيوية للميزانية، من البنود الأولى والثانية والثالثة.
ونوه إلي أن بنك السودان المركزي لا يتبع لمؤسسة مدنية مستقلة، بل يخضع لسلطة المجلس السيادي، وكذلك الضرائب، في حين تتحكم القوات المسلحة في معظم الشركات الكبرى داخل البلاد، مثل زادنا، “مستر تكنولجي، ومنظومة الصناعات الدفاعية، والتي تستحوذ مجتمعة على أكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي، دون أي رقابة من وزارة المالية أو حق استفسار من قبل الوزير المعني، د. جبريل إبراهيم محمد قائد حركة العدل والمساواة السودانية الذي فرض عليه العقوبات الأميركية مؤخرًا.
ويستمر المحلل السياسي في شرحه عن تداعيات العقوبات الأميركية علي الإقتصاد السوداني، مشيرًا إلى أن الإقتصاد السوداني لا تخضع لقوانين السوق أو أدوات الاقتصاد الكلي، بل تحكمه الشلليات، والمحاصصات العسكرية والقبلية، بالأضافة إلى الإعفاءات الجمركية غير المنضبطة، مستدركاً؛ وهو ما يعمق من حالة الانهيار ويجعل من المستحيل تطبيق أي إصلاح اقتصادي حقيقي أو فعال.
ولفت إلي أن د. جبريل، بوصفه وزيراً لمالية حكومة بورتسودان الحالية، لا يتأثر بتداعيات العقوبات ولا يضع الاقتصاد ضمن أولوياته، بل يركز على الحفاظ على موقعه السياسي وتأمين مصالح مجموعته السياسية والعائلية الضيقة. إلا أن ثمة مراقبون للمشهد السياسي منقسمين حول مستقبل د.جبريل السياسي.. فالرجل يتمتع بشبكة تحالفات قبلية وحزبية قوية، ويُنظر إليه في بعض الدوائر كرقم يصعب تجاوزه في أي تسوية سياسية، لا سيما داخل الإطار الواسع للإسلاميين الجدد.
مراقبون: ارتهان جبريل إبراهيمللسلطة العسكرية، وأصبح جزءًا من منظومة الحكم الحالية التي تواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة. ود.جبريل لم يعد يمثل حركة العدل والمساواة بقدر ما أصبح واجهة لمصالح نخبوية ضيقة
إلي ذلك، أشار المراقبون إلي ارتهان جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة للسلطة العسكرية، إذ أصبح جزءًا من منظومة الحكم الحالية التي تواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة. ويضيف المراقبون أن د.جبريل لم يعد يمثل حركة العدل والمساواة بقدر ما أصبح واجهة لمصالح نخبوية ضيقة، مشيرين إلى أن فشله في إدارة الملف الاقتصادي كوزير مالية، يحمله مسؤولية التدهور الاقتصادي المتسارع، وارتفاع سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة، دون أي خطة إنقاذ واضحة.
لكن من المرجح أن تكون العقوبات المفروضة على كتائب البراء خطوة أولى في مسار تصعيدي ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، لا سيما تلك المرتبطة بتنظيمات أيديولوجية أو عقائدية..إذ أن الكتائب تتهم بتنفيذ عمليات تصفية وانتهاكات في مناطق متفرقة، ما يعزز المخاوف الدولية من تحولها إلى نموذج لـ”مليشيا دينية متطرفة تغرق الصراع السوداني بالإرهاب..وفي حال استمرار الانتهاكات، وصدور تقارير أممية توثق الجرائم، قد يتم تصنيف الكتائب كمنظمة إرهابية، ما يفتح الباب أمام عقوبات أوسع تشمل الداعمين والممولين، وقد تمتد لتطال شخصيات سياسية داخل الحكومة الحالية أو من خارجها.
إجمالاً، لا يمكن القول إن العقوبات الأمريكية الأخيرة ستُحدث تحولًا جذريًا في المشهد السوداني، لكنها بالتأكيد ترسم خطوطًا حمراء جديدة، وتُحرج شخصيات فاعلة في حكومة بورتسودان مثل د. جبريل إبراهيم بصفته وزيرًا للمالية ورئيساً لحركة مسلحة، تكشف جانباً من المنظومة العسكرية الإسلامية المتحكمة في مفاصل الدولة..المجتمع الدولي، من جهته، بحاجة إلى استراتيجية أكثر شمولًا وتأثيرًا، لا تكتفي بالعقوبات الرمزية، بل تمتد لتشمل دعم مشروع قوى التغيير الشامل في البلاد.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.