مع اقتراب الحرب في السودان من إكمال عامها الثالث ، تواصل الامم المتحدة جهودها الحثيثة لإحلال السلام بالتوصل إلي وقف دائم لإطلاق النار بين اطراف النزاع “الجيش و قوات الدعم السريع” . و بعد ما يقرب من حوالي ثلاثة اعوام من اندلاع الصراع، يشهد السودان أزمة إنسانية ذات أبعاد مدمرة ، يحتاج نصف السكان إلى مساعدات إنسانية ونزح أكثر من 10 ملايين شخص من ديارهم، إما داخل البلاد أو إلى البلدان المجاورة ، ويعاني ما يقرب من 26 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما ظهرت المجاعة في عدد من المناطق.

مؤخرا دعا “ستيفان دوجاريك” المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إلى إنهاء الصراع في السودان، محملا الحرب في هذا السودان مسؤولية معاناة 25 مليون شخص من الجوع الحاد. وفي سبتمبر الماضي ،عُقد اجتماع على هامش المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت عنوان “تكلفة التقاعس: الدعم العاجل والجماعي لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة”. نظمت الفعالية الأمم المتحدة ومصر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحادان الأفريقي والأوروبي للدعوة إلى إنهاء الحرب ودعم الاستجابة الإنسانية في السودان والمنطقة.
اما في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة الاخيرة شهدت تداولا وتركيزا مهماً على حرب السودان وتباحث المجتمعون على ضرورة إيقافها و وضع حد لمعاناة الشعب السوداني. وعلي المستوى الإقليمي نجد ان الاتحاد الافريقي و الجامعة العربية ايضا تقود مساعي مستمرة لوقف حرب السودان ، حيث ناشدت المسؤولة في الاتحاد الأفريقي ميناتا ساماتي سيسوما الطرفين في السودان وقف القتال وقالت: “لا يمكن أن يكون هناك فائزون في هذه الحرب”. وأضافت أن النساء والأطفال هم أول ضحايا الصراع.
ساماتي: يجب أن تتوقف الأعمال العدائية، وقبل كل شيء، يجب احترام القانون الدولي والقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان
وشددت ساماتي، على ضرورة وضع حد للقتال وأن يجلس الطرفان على طاولة المفاوضات لإيجاد حل. وقالت: “يجب أن تتوقف الأعمال العدائية، وقبل كل شيء، يجب احترام القانون الدولي والقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان، وتوفير الوصول الإنساني إلى الضحايا، وخاصة النساء والأطفال”.

وبالمقابل لم تتوقف مساعي الامم المتحدة نحو التوصل إلى مصالحة بين الاطراف المتحاربة كما إنها تركز في اولوياتها على الوضع الإنساني، إذ اشار المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أشار إلى أنه زار السودان مرتين خلال العام الحالي. وقال مناشدا تعزيز الدعم للجهود الإنسانية في السودان: “إن النازحين داخل السودان، الذين لا يجدون الرعاية والإغاثة، سوف يصبحون لاجئين (في دول أخرى).
وقد عبر أكثر من 10 مليون شخص بالفعل إلى البلدان المجاورة، إلى مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهي بلدان تواجه أوضاعها الخاصة من عدم الاستقرار والهشاشة والتحديات الأخرى”.
رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان: “السلام لا يُفرَض، بل يُصنَع. وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج”..
“السلام لا يُفرَض، بل يُصنَع. وإذا لم يصنعه السودانيون، فلن يأتيهم من الخارج”.. بهذه العبارة عبر رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، “العمامرة” الذي يتكئ على خبرة طويلة؛ وزير خارجية ودبلوماسي جزائري، وسبق أن اضطلع بوساطات صعبة في أفريقيا، لا يرى جدوى من استمرار الرهانات الخاطئة، ولا يقبل بمنطق إدارة الحرب كأنها معركة كسر عظم. وفي رأيه، فإن استمرار تدفق السلاح والمقاتلين يمثل عائقاً كبيراً أمام الحل؛ لأنه ببساطة “يُغذي الأوهام العسكرية ويُطيل أمد المأساة”. بحسب حديث سابق مع “الشرق”
ويحذر العمامرة من مغبة الدعم العسكري الخارجي؛ إذ يرى أنه لا يجلب سوى الوهم، وأن السلام لا يأتي بالتمني، بل بتوافر الإرادة المحلية، وتكامل الجهود الدولية لا تشتتها.
يقول بمرارة: “مرت الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، وكنا نتمنى ألا تحل تلك الذكرى دون إنهاء الحرب التي يرزح المدنيون في السودان تحت نيرانها، ولا يمكن القبول أبداً بأن تحل ذكرى ثالثة للحرب”.
في زيارته الأخيرة لبورتسودان، التقى المبعوث الأممي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ، خرج لعمامرة من اللقاء بانطباع “مشجع”، لكنه لا يخفي أن الطريق ما زالت طويلة ، أما التواصل مع قيادة “قوات الدعم السريع”، فهو مستمر في انتظار ترتيب لقاء قريب
و يقول الناطق الرسمي تحالف صمود إن الاهتمام الذي وجدته الحرب في السودان و الكارثية الانسانية التي خلفتها في دهاليز القمة الثمانين للجمعية العامة للامم المتحدة والأنشطة المصاحبة لها هو أمر لم يحدث طوال سنوات الحرب التي تقترب من إكمال عامها الثالث، فالعديد من الرؤساء العرب والأفارقة اشاروا الى ضرورة وقف الحرب فورا والبدء في عملية تفاوضية وعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم ضرورة إيقاف الحرب بالتفاوض و كذلك ايضا فخامة الرئيس روتو رئيس جمهورية كينيا.
و يشير “بكري الجاك” إلي إن بشكل عام لم تجد قضية السودان مثل هذا الاهتمام ربما منذ اتفاقية السلام الشامل و لم تجد عملية إسكات البنادق إجماعا دوليا مثل الذي حدث في أروقة الجمعية العامة و ما صاحبها من انشطة، وإن كان من المؤسف أن يكون دوما اهتمام العالم بالسودان لإيقاف حرب ما، و نتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه اهتمام العالم بالسودان لأن به علماء اكتشفوا لقاحا او طوروا تقنية لمقاومة ظاهرة التغير المناخي، ولكن الأشد أسفا هو أن السودانيين انفسهم ليسوا متفاعلين بما يكفي من أجل جعل هذا الاهتمام يتحول الي حقيقة عملية تؤدي الى ايقاف الحرب وعودة الحياة المدنية و إغاثة الناس و تهيئة المناخ لحوار سوداني جامع بين السودانيين لجعل حرب 15 أبريل آخر حروبهم بوضع لبنات لعقد اجتماعي يؤسس لتعايش سلمي و يحتفي بالتنوع لنمكن الأجيال القادمة بالمساهمة الايجابية في مسيرة البشرية باكتشافات علمية و صناعية.
الناطق الرسمي باسم “صمود” : “ما أخشاه أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة لإسكات البنادق، و التوافق الذي تم بين دول الرباعية، وهي دول مؤثرةفي مشهد الحرب في السودان، أمر ليس بيسير و قد لا يحدث بسهولة إذا انهارت هذه الجهود.
و يضيف الناطق الرسمي باسم “صمود” : “ما أخشاه أن هذه ربما تكون الفرصة الأخيرة لإسكات البنادق، و التوافق الذي تم بين دول الرباعية، وهي دول مؤثرةفي مشهد الحرب في السودان، أمر ليس بيسير و قد لا يحدث بسهولة إذا انهارت هذه الجهود.
و يري الجاك اذا انهارت الجهود الاممية و عاد كل فريق إلى تصوراته حول إمكانية النصر العسكري و ذهب كل الى حلفائه في الداخل والخارج لحشد الدعم لمواصلة الحرب ففي ظني هذا سيكون خطر ماحق، و التصورات البسيطة أن هناك طرف سيظل متماسك و يحارب و يحرر الأرض ستصبح حلم و قد يأتي اليوم أن تتحول كل أرض السودان إلى ساحة حروب تسيطر عليها كانتونات عسكرية لها ارتباطات اثنية داخلية و تحالفات خارجية و قد يكون ما شهدنا من انتهاكات حتى الآن مجرد مناظر لما قد يأتي، فليس هنالك مصالح متطابقة في هذه تحالفات الحرب العسكرية مهما حاول البعض تصويرها و تجميلها و قد يفقد الجميع السيطرة، أما الانقسام الاجتماعي والاستقطاب الأثني و الجغرافي سيتضاعف و سيصبح هو المحرك الجديد للحروب التي ستتوالد. أما اذا انهارت هذه الجهود فلكم أن تتخيلوا كم من الوقت سنحتاج الي الوصول الي هذه النقطة مرة أخرى وبعد كم من الخسائر و الدمار؟
ويؤكد بكري الجاك أن هناك فرصة مؤاتية لدي معسكر بورتسودان و لمعسكر تأسيس للوصول إلى تسوية سياسية قد لا تحقق لكل طرف كل تطلعاته، لكنها يمكن أن تؤسس الى نقطة بداية جديدة تنقل الصراع إلى مربع سياسي جديد وهذا ممكن ومتاح متى ما تخلينا عن قلة الحيلة بالاستسلام إلى ضيق الأفق و ضعف الخيال الذي يصور لنا دائما أن الموقف يجب أن يكون صفريا من الأعداء المصنوعين و المتخيلين، وفي حقيقة الأمر ليس هناك أعداء دائمين في هذه الحياة القصيرة الطويلة، وإذا ركزنا على المصالح المشتركة وليس المواقف المسبقة بفعل الغضب سنجد أننا كلنا كسودانيين لنا مصلحة جامعة في ايقاف الحرب و في تحقيق السلام و في خلق شروط فرص التعايش المشترك بما في ذلك تجار الحروب إذ يمكنهم كسب الكثير من المال في ظل حياة مدينة مستقرة و آمنة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.