تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تدهورًا إنسانيًا متسارعًا علي خلفية الحصار والقتال المستمر بين الجيش والقوات المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، ما دفع وكالات إغاثة أممية، ومنظمات طبية وإنسانية، وغرف الطوارئ، ومنظمات وطنية إلى إطلاق تحذيرات متتالية حول خطر انتشار المجاعة وانهيار الخدمات الأساسية في الولاية.

بسبب انقطاع طرق الإمداد وتوقف معظم عمليات التوزيع الإنسانية.. وجاء في آخر بيان للبرنامج أن مخزون الغذاء داخل المدينة نفد تماما..
وبالرجوع إلي التقارير السابقة والحالية للمنظمات الإنسانية الدولية ووكالات الأمم المتحدة الإغاثية، أن مئات الآلاف من المدنيين باتوا عالقين بمخيمات النزوح القريبة من محيط المدينة، حيث يصعب الوصول إليهم من جراء الاشتباكات والقصف المتكرر من قبل الأطراف المتصارعة، مما أدي إلي وصول الأوضاع الإنسانية في مدينة الفاشر إلي مستويات حرجة تستدعي تدخلاً إنسانياً عاجلاً غير مشروط.
وطبقا لتقرير برنامج الأغذية العالميWFP” في الشهر الماضي، تواجه آلاف العائلات والأسر في القري علي تخوم مدينة الفاشر خطر المجاعة بسبب انقطاع طرق الإمداد وتوقف معظم عمليات التوزيع الإنسانية. وجاء في آخر بيان للبرنامج أن مخزونات الغذاء داخل المدينة نفدت تمامآ، فيما أصبحت الأسواق خاوية، والأسعار ارتفعت بنسبة تجاوزت 400٪ مقارنة بمناطق أخرى من الإقليم.
وبَيّنَ تقييم ميداني أجراه البرنامج في الأشهر الماضية إلى أن مؤشرات الجوع الحاد تفاقمت بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات في مخيمات النزوح غربي المدينة، فيما تُسجل يوميًا العشرات من حالات الإغماء وسوء تغذية في مراكز الإيواء والتكايا.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف: الجوع يهدد حياة أكثر من 60 ألف طفل في شمال دارفور، بعضهم يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم
ومن جهتها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسف: من أن الجوع يهدد حياة أكثر من 60 ألف طفل في شمال دارفور، بعضهم يعانون من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، مشيرة إلى أن استمرار المعارك ستقود الولاية إلي مجاعة كاملة إذا لم يُسمح بدخول المساعدات من قبل الأطراف.
إلي ذلك، أكدت منظمة أطباء بلا حدود MSF” بأن النظام الصحي في الفاشر انهارت بسرعة مريعة، بسبب تدميرت كل المنشآت الطبية الحيوية من بينها مستشفى الفاشر الجنوبي والمستشفى السعودي الذي تعرض لهجوم بطائرات الجيش في العام الماضي، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة عشرات آخرين من المرضى والعاملين.
وقالت المنظمة في آخر تقرير: الوضع في الفاشر غير مسبوق، وفرقنا تعمل تحت النار في ظروف تفتقر إلى الأمن والمياه والكهرباء، والمدينة تعج بالجرحى دون أدوية أو تجهيزات صحية. ومن جانبها، أكدت غرف الطوارئ الطبية المحلية أن جميع مستشفيات الفاشر اضطرت إلى الإغلاق الكامل بسبب انعدام الوقود وانقطاع الإمدادات الطبية، بينما تحولت المدارس والمساجد إلى نقاط علاج ميدانية، مراكز إيواء، تكايا ومطابخ جماعية. ولفتت الغرف إلي أن الأوضاع الإنسانية تفاقمت بسبب تصاعد أزمات النزوح الداخلي نتيجة لإستمرار المعارك التي دفعت آلاف الأسر إلى الفرار من أحياء المدينة إلي قراها الغربية.
OCHA: إن أكثر من 300 ألف شخص يعيشون الآن في ظروف إنسانية قاسية دون مأوى كافٍ أو مياه شرب نظيفة
وفي السياق، تقول آخر تقارير OCHA: إن أكثر من 300 ألف شخص يعيشون الآن في ظروف إنسانية قاسية دون مأوى كافٍ أو مياه شرب نظيفة. وفي ظل انهيار شبكة المياه العامة في الولاية، حذرت منظمة الصحة العالمية WHO من مغبة تفشي وباء الكوليرا، إثر تسجيل مئات الحالات خلال الأسابيع الأخيرة. واستطردت قائلة: تدمير البنى التحتية للمياه والصرف الصحي فاقمت من الكارثة الوبائية في المدينة.
أما غرف الطوارئ المحلية نوهت إلي أن الأوضاع الصحية باتت تزداد سوءًا مع انعدام الدواء وانتشار الحشرات والنفايات، مشيرة ألي أن الكثير من الأطفال يعانون من التهابات معوية وجلدية نتيجة التلوث وسوء التغذية.
ومن اللافت للنظر وفي ظل إستمرار العمليات العسكرية أن شهدت مخيمات النازحين غربي مدينة الفاشر عمليات القليل من توزيع الغذاء من بعض المنظمات الإنسانية. كما يشار إلي أن منظمات الأمم المتحدة في الأشهر الماضية، أعلنت تعليق أنشطة بعض المنظمات الإنسانية مؤقتًا بعد تعرض قوافلها لقصف بطائرات مسيرة تتبع للجيش السوداني في منطقة الكومة شرقي الفاشر، فكانت بينها قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمية أُحرقت منها ثلاث شاحنات.
وبالتزامن مع الحادثة، قالت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتين نكويتا سلامي، إن الوصول إلى الفاشر بات من أكثر المهام خطورة في العالم، لافتة إلي أن فرق الإغاثة تحتاج إلى ضمانات أمنية محلية واضحة وفتح ممرات إنسانية برعاية دولية تجنب وقوع كارثة إنسانية، مع عدم استهداف المنظمات الإنسانية الإغاثية.
بيانات مناشدة لتوفير ممرات انسانية آمنة لإخلاء المرضى والمصابين إلى مناطق أكثر أمنًا، برغم التحديات التي تواجه المدنيين في انعدام الاتصالات وانقطاع الوقود والإنترنت.
وبرغم انقطاع الإمدادات الخارجية، ثمة مبادرات محلية وتكايا شعبية تحاول سد جزء من احتياجات الأسر النازحين في المخيمات ومراكز الإيواء.
وقال ناشط بالمجتمع المدني من الفاشر فضل حجب اسمه: نحن نعمل في ظروف إنسانية صعبة للغاية ونسعي جاهدين عبر التكايا المجتمعية لتوفير وجبة واحدة في اليوم للنازحين، لكن الطلب يفوق طاقتنا بأضعاف. ومن جانبه، دعا ناشط آخر من مجلس تنسيق غرفة طوارئ شمال دارفور، بأن الولاية بحاجة إلى تدخل انساني عاجل، مضيفًا الناس بتموت بصمت لا ماء، لا غذاء، ولا دواء.
ومن جهة أخري، تسعى منظمات محلية بهدوء وصمت تام لتوثيق الانتهاكات التي تحدث من الأطراف المتصارعة ضد المدنيين، إلي جانب مطالبات مستمرة للأمم المتحدة، عبر بيانات مناشدة لتوفير ممرات انسانية آمنة لإخلاء المرضى والمصابين إلى مناطق أكثر أمنًا، برغم التحديات التي تواجه المدنيين في انعدام الاتصالات وانقطاع الوقود والإنترنت.
وشددت منظمة OCHA التابعة للأمم المتحدة في آخر تقاريرها أن أكثر من 800 ألف شخص في شمال دارفور بحاجة ماسة إلى مساعدات غذائية وصحية عاجلة، لافتة إلي أن الفاشر باتت مركزًا لأزمة إنسانية متفاقمة. وبدورها، أفادت برنامج الأغذية العالمي WFP، بأن الأوضاع الإنسانية في الفاشر تدهورت بصورة مريعة، والجميع يواجه خطر المجاعة، فيما انقطعت آخر طرق الإمداد منذ الأعوام الماضية. وفي الصعيد، ذكرت منظمة أطباء بلا حدود” MSF” في بيان سابق أن فرقها تعرضت للقصف أثناء أداء مهامها في محيط المدينة، فكانوا يعملون علي تهيئة النظام الصحي في الفاشر من الانهيار الكلي. وفي ذات الإتجاه، قالت منظمة الصحة العالمية “WHO” إن خطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه مرتفع جدًا بسبب الانهيار الكامل للأوضاع الصحية في شمال دارفور، لا سيما مناطق غربي الفاشر.
ومن منطلق المنحي الإنساني المتدهور، تُهيب غرف الطوارئ المحلية في بيانات سابقة، بأن الناس يعيشون على حافة الموت، من جراء كارثة إنسانية لا مثيل لها إذا استمرت المعارك في الولاية بهذه الشاكلة. وفي ضوء ذلك، تطالب غرف الطوارئ المحلية وكالات الإغاثة الأممية بفرض هدنة إنسانية دولية تتيح دخول قوافل آمنة تشمل الغذاء والدواء ومياه الشرب ومواد التنظيف، مع تقديم خدمات الحماية للنساء والأطفال والنازحين.
كما تناشد الغرف بتكثيف التمويل الدولي لغرف الطوارئ الغذائية والصحية، بحيث توسع مناطق الجوع، مستندين إلي تقرير “أوتشا” التي تنوه بأن تفاقم الاوضاع الإنسانية في الفاشر قد يتحول إلى مجاعة شاملة إذا لم تُفتح الممرات الإنسانية في القريب العاجل.
تقف مدينة الفاشر اليوم عند مفترق خطير إما أن تستجيب الأطراف المتصارعة إلي دعوات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بشأن تأمين وصول إنساني آمن، أو تمدد الجوع والمرض في الولاية إلى مستوى لا يمكن تداركه… وفقًا لشهود عيان وناشطين في المجتمع المدني أن بعض المدنيون في الفاشر يقبعون بين أزيز الطائرات المسيرة وزخات الرصاص وقسوة التضور من الجوع في معارك يومية للبقاء على قيد الحياة.. مع تصاعد الانهيار الإنساني في الفاشر تنتظر عاصمة ولاية شمال دارفور أن تسمعها العالم قبل أن تتحول إلى مرثية جماعية في سجل الحروب المنسية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.