شهدت مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، الأسبوع الماضي غارة جوية بطيران مسيّر تابع للجيش السوداني، في حادثة أثارت موجة من ردود الافعال والجدل داخل الولاية وخارجها. أعقب الحادث مباشرة حملة من الشائعات والمعلومات المضللة استهدفت زعزعة الأمن والاستقرار في المدينة التي عانت طويلًا من تبعات الحرب، لكنها ظلت صامدة في وجه التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
تُعد مدينة الجنينة إحدى المدن الاستراتيجية في إقليم دارفور، لما لها من موقع حدودي مهم يربط السودان بتشاد عبر معبر مدينة أدري الحدودي. وعلى الرغم من الأوضاع الأمنية الصعبة التي مرّت بها الولاية خلال الأعوام الماضية، فإن الجنينة تمكّنت من الحفاظ على قدر كبير من الاستقرار، وأصبحت ملاذًا آمنًا لأكثر من 50 ألف أسرة نزحت من مناطق النزاع الأخرى في دارفور وكردفان.
عقب الغارة الجوية التي استهدفت مقر امانة الحكومة داخل المدينة، استغلّت بعض الجهات الحادثة لنشر الشائعات، أبرزها إشاعة زعمت أن إحدى المدارس المتميزة بالمدينة تعرّضت لهجوم بمسيّرات عسكرية. انتشر الخبر سريعًا، مما دفع عددًا كبيرًا من أولياء الأمور للتوجه إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، لكنهم تفاجأوا بعدم وجود أي أثر للهجوم.
رئيس الإدارة المدنية بولاية غرب دارفور تجاني الطاهر كرشوم، دعا المواطنين إلى عدم الالتفات لمروّجي الشائعات، مؤكدًا أن ما يُتداول من أخبار زائفة يهدف إلى إثارة البلبلة وإضعاف الروح المعنوية لدى السكان. وشدّد على أن الاعتداءات التي تستهدف المؤسسات الحكومية “لا تزيدنا إلا عزيمة وإصرارًا على أداء واجبنا تجاه المواطنين”، على حد تعبيره.
رصد مراسل عين الحقيقة من داخل مدينة الجنينة أن الحياة تسير بصورة طبيعية، حيث فتحت المحال التجارية أبوابها ويواصل التجار أنشطتهم اليومية دون انقطاع.
وفي المجال التعليمي، أكدت مدير عام وزارة التربية والتوجيه بغرب دارفور، ليلى جاد الرب، أن أكثر من 70% من مدارس الولاية استأنفت الدراسة واستقبلت طلابها في أجواء مستقرة ، ما يعكس رغبة المجتمع المحلي في العودة إلى الحياة الطبيعية رغم التحديات.
تكشف هذه التطورات عن صراع خفي تقف وراءه جهات أستخباراتية واخرى قبلية يدور في محيط مدينة الجنينة، حيث تحاول أطراف مختلفة استغلال الحوادث الأمنية لبث الخوف والإحباط بين المواطنين. إلا أن تمسك السكان بمواصلة حياتهم اليومية، واستمرار المؤسسات الحكومية والتعليمية في أداء دورها، يعكس وعياً مجتمعياً متقدماً بأهمية مقاومة الدعاية السلبية.
كما يُظهر موقف الإدارة المدنية وحزمها في مواجهة الشائعات أن السلطات المحلية باتت أكثر قدرة على إدارة الأزمات الإعلامية والأمنية، وهو تطور لافت في سياق دارفور الذي لطالما اتسم بتعقيدات قبلية وسياسية وأمنية.
على الرغم من الغارة الجوية وما تبعها من موجة إشاعات، تظل مدينة الجنينة نموذجاً للصمود والإرادة الشعبية في دارفور، إذ نجحت في أن تحافظ على استقرارها وتستوعب آلاف النازحين، فضلاً عن كونها المدينة الوحيدة التي ترفد ولايات دارفور وكردفان بالمواد الغذائية والوقود القادم من دول الجوار.
وفي ظل استمرار التحديات، يبدو أن وعي المواطنين وتكاتفهم مع الإدارة المدنية يمثلان صمام الأمان الحقيقي لمستقبل الجنينة واستقرار غرب دارفور.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.