بين النفي والتأكيد.. واشنطن وبورتسودان على طرفي نقيض بشأن مفاوضات الجيش والدعم السريع
تقرير- عين الحقيقة
في تطور سياسي جديد يعكس عمق الأزمة السودانية وتعقيدات المشهد بين الأطراف المتصارعة، نفى مجلس السيادة في حكومة بورتسودان الانتقالية بشكل قاطع في بيان تداولته وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حول وجود مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الأمريكية واشنطن، في وقت أكدت فيه وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا استضافة بلادها لمحادثات غير مباشرة بين الجانبين، برعاية نائب وزير الخارجية الأمريكي.
جلس السيادة السوداني أن ما يُشاع بشأن المفاوضات عار تمامًا من الصحة، مشددًا على أن موقف الدولة ثابت في التمسك بالحل الوطني القائم على الحوار الداخلي الذي يضمن سيادة البلاد..
هذا التضارب في المواقف بين بورتسودان وواشنطن أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والإعلامية السودانية، خاصة بعد تداول تقارير عن وصول وفدي الجيش والدعم السريع إلى العاصمة الأمريكية لبحث وقف إطلاق النار ووضع إطار لتفاهمات إنسانية أولية. في بيان صدر مساء الخميس، أكد مجلس السيادة السوداني أن ما يُشاع بشأن المفاوضات عار تمامًا من الصحة، مشددًا على أن موقف الدولة ثابت في التمسك بالحل الوطني القائم على الحوار الداخلي الذي يضمن سيادة البلاد ووحدتها واستقرارها، ويحفظ حقوق الشعب السوداني.
وأشار البيان إلى أن المجلس لا يعترف بأي تحركات أو تفاهمات تُدار خارج الإطار الوطني، مؤكدًا أن حكومة بورتسودان ترى أن أي عملية سياسية أو تفاوضية يجب أن تنبع من الداخل، لا من الخارج، في إشارة واضحة إلى رفضها الضغوط الدولية الرامية إلى جمع الطرفين تحت مظلة وساطة أمريكية أو غربية.
وفي السياق كشف مصدر مقرب من مجلس السيادة للصحفيين في بورتسودان أن الموقف الرسمي يستند إلى تجارب سابقة فاشلة، في إشارة إلى مفاوضات جدة التي رعتها السعودية والولايات المتحدة في عام 2023، والتي انهارت بعد تبادل الاتهامات بين الطرفين بخرق الهدنة. واستدرك المصدر: أن الجيش لا يمكن أن يدخل مفاوضات خارجية جديدة ما لم يتم تحقيق شروط محددة تتعلق بوقف الهجمات على المدنيين وانسحاب الدعم السريع من المناطق السكنية.
واشنطن: استئناف الحوار بين الطرفين ضرورة إنسانية عاجلة، والوضع الميداني المتدهور في دارفور وكردفان والخرطوم، يفرض تحركًا سريعًا لاحتواء الكارثة الإنسانية
إلا أن في الواقع، نقلت قناتا العربية والحدث عن مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية تأكيده أن واشنطن تستضيف بالفعل مفاوضات غير مباشرة بين الجيش والدعم السريع بدأت يوم الخميس وتستمر ليومين، برعاية نائب وزير الخارجية الأمريكي. وأوضح المصدر أن الهدف من المحادثات هو وضع إطار عام لتفاهمات أولية تمهيدًا لوقف إطلاق نار إنساني يسمح بإيصال المساعدات للمناطق المنكوبة، على أن تتبعها مفاوضات أوسع تشمل القضايا السياسية والعسكرية في مراحل لاحقة.
وأكدت واشنطن في تصريحات متطابقة أن استئناف الحوار بين الطرفين ضرورة إنسانية عاجلة، مشيرة إلى أن الوضع الميداني المتدهور، خاصة في دارفور وكردفان والخرطوم، يفرض تحركًا سريعًا لاحتواء الكارثة الإنسانية التي تهدد ملايين المدنيين.
كما لفتت مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن وفد الحكومة السودانية موجود بالفعل في واشنطن ويجري مباحثات مع مسؤولين أمريكيين، مبينة أن الإطار العام لهذه اللقاءات يستند إلى ما نوقش سابقًا بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مسعد بولوس، الذي لعب دورًا مهمًا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة وواشنطن خلال الأشهر الماضية.
محلل سياسي: النفي الصادر عن مجلس السيادة يهدف إلى امتصاص الغضب الداخلي في أوساط التيار المؤيد للحرب..
وفي هذا الصدد، يلاحظ تباين واضح بين نفي بورتسودان والتأكيد الأمريكي وهو ما فسره مراقبون بأنه يعكس حساسية كتائب الحركة الإسلامية تجاه أي تحركات دولية خارج سيطرته، خاصة في ظل اتهامات متكررة من قبل أنصارهم بأن بعض القوى الغربية تسعى لفرض تسوية لا تراعي السيادة الوطنية.
إلي ذلك يقول محلل سياسي فضل حجب اسمه” لـ“عين الحقيقة“ إن النفي الصادر عن مجلس السيادة يهدف إلى امتصاص الغضب الداخلي في أوساط التيار المؤيد للحرب، مشيرًا إلى أن الإسلاميين الذين يساندون الجيش يرفضون أي تسوية تُدار في الخارج ويعتبرونها خضوعًا للضغوط الأمريكية.
واستطرد قائلاً: إن واشنطن من جهتها تحاول الحفاظ على مصداقيتها أمام المجتمع الدولي، خاصة بعد فشلها في إنهاء الحرب عبر مسار جدة، ولذلك تسعى لتأكيد أن هناك بالفعل حراكًا تفاوضيًا ولو في نطاق محدود.
وبالمقابل، تباينت ردود الفعل بشكل لافت علي المنصات السودانية…بينما رحب بعض النشطاء الداعمين للأطراف المتحاربة بخطوة استئناف التفاوض باعتبارها فرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من السودان، عبر آخرون عن شكوكهم في جدوى أي مفاوضات تُعقد تحت إشراف أمريكي، مؤكدين أن تجربة التدخلات الدولية السابقة لم تسفر إلا عن مزيد من التعقيد.
غير أن العديد من المعلقين بوسائط التواصل الإجتماعي رأوا أن بيان مجلس السيادة قد تكون محاولة لإبقاء الموقف الرسمي في حالة من الغموض إلى حين اتضاح نتائج اللقاءات في واشنطن، خاصة في ظل تقارير تتحدث عن حضور غير رسمي لبعض ممثلي الجيش في الاجتماعات التمهيدية.
من جهتها، أكدت الخارجية الأمريكية أنها لا تسعى لفرض حلول سياسية على السودانيين، بل تعمل على تهيئة بيئة لوقف إطلاق النار واستئناف الحوار السياسي الشامل.
المتحدث باسم الوزارة: الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أي جهود تضع حدًا للعنف وتفتح الطريق أمام انتقال سياسي يقوده المدنيون
وفي الصعيد، أشار المتحدث باسم الوزارة في إفادة صحفية إلى أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أي جهود تضع حدًا للعنف وتفتح الطريق أمام انتقال سياسي يقوده المدنيون. وأضاف أن نائب وزير الخارجية الأمريكي يعقد لقاءات مكثفة مع كل الأطراف المعنية، بما في ذلك ممثلون من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية للتنمية إيغاد، لضمان تنسيق الجهود الدولية.
ويرى مراقبون أن الانقسام الواضح في التصريحات الرسمية يعكس ضعف التنسيق داخل حكومة بورتسودان، فضلاً عن تناقض الرؤى وسط تحالف بورتسودان سياسيًا وعسكريًا حول طبيعة الحل المطلوب. بينما في الضفة الأخري تشدد الحركة الإسلامية بممارسة الضغوط علي قيادات الجيش على أن الحل يجب أن يكون سودانيًا خالصًا، مقابل قوى سياسية ومدنية أخري تري أن الدور الدولي بات ضرورة ملحة لإنهاء الحرب التي أرهقت البلاد.
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب المدمرة التي اندلعت في منتصف أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي خلفت آلاف القتلى وملايين النازحين داخل البلاد وخارجها.. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية في دارفور، كردفان، والخرطوم تتزايد الدعوات الدولية عبر الآلية الرباعية التي تتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية، الإمارات، السعودية ومصر لوقف فوري للقتال وفتح ممرات إنسانية آمنة
ما بين نفي مجلس السيادة وتأكيد واشنطن، يقف السودان أمام مرحلة دقيقة من تاريخه الحديث، تتجاذبها إرادة السلام ومصالح الإسلاميين.. بينما ينتظر الشارع السوداني بقلق ما ستسفر عنه الأيام القادمة، يظل الأمل معلقًا على أن تكون واشنطن هذه المرة محطة جادة نحو إنهاء حرب أنهكت الوطن، وأطفأت أحلام جيل كان يحلم بدولة الحرية والسلام والعدالة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.