خبراء يرسمون صورة قاتمة لمستقبل الصراع بالسودان و يحذرون من خطورة الدور المصري المكشوف في دعم الجيش
تقرير - عين الحقيقة
اكد مختصون إن الصراع المسلح الدائر في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، قد أخذ منحى جديدًا مع التطورات العسكرية الأخيرة، والتي تمثل تغييراً في معطيات تسيير شؤون الحياة في البلاد كدولة مستقلة إداريًا ، واشار ورقة اعدها خبراء بـ«مركز السودان للمعرفة» بعنوان «تطورات الصراع المسلح فى السودان والدور المصري في قضايا السلام» إلي أن التطورات صاحبها تباطؤ حول التقدم نحو الحل السياسي السلمي خلال جولة التفاوض غير المباشر، التي تجري في واشنطن منذ 22 أكتوبر 2025 ، وبحسب التقرير الذي حصلت عليه (عين الحقيقة) إن هذا البطء المميت يحدث بعد أن رفض ممثلو الجيش التوقيع على مسودة اتفاق أولي تقضي بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر، وإطلاق عملية دولية لحماية المدنيين في المناطق الملتهبة، وإيصال المساعدات الانسانية إلى ملايين الجوعى والمشردين في أنحاء البلاد المختلفة.
كشف التقرير دخول عنصر جديد في معادلة الحرب والسلام في السودان، وهو التقدم العسكري لقوات الدعم السريع وحلفائها العسكريين وسيطرتها على مدن رئيسية في البلاد، خاصة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور..
وبحسب التقرير فإن التأخير في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، هو استهتار بحياة ملايين المواطنين الأبرياء، الذين دفعوا ثمن عناد قادة الجيش، ورفضهم غير المبرر للحل المتفاوض عليه، تشرذا وجوعا ومرضا خلال الثلاثين شهزا الماضية.
و كشف التقرير دخول عنصر جديد في معادلة الحرب والسلام في السودان، وهو التقدم العسكري لقوات الدعم السريع وحلفائها العسكريين وسيطرتها على مدن رئيسية في البلاد، خاصة مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ذات الموقع الاستراتيجي المهم والقيمة المعنوية الكبيرة، والتي دخلتها يوم الأحد الموافق 26 أكتوبر 2025. وقد سبق ذلك، في منتصف الأسبوع، أن استعادت قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة بارا في ولاية شمال كردفان.
و اعتبر التقرير إن هذه التطورات الميدانية تمثل خسائر عسكرية وسياسية كبيرة للجيش، وكان يمكن تفاديها أو التخفيف من آثارها – ومن الخسائر الكبيرة في الأرواح بين المدنيين والعسكريين ومن الفظائع المرتكبة بحق المدنيين وتداعياتها المادية والمعنوية – لو أبدى ممثلو الجيش حسن النية ووضعوا مصلحة مواطنيهم على رأس أجندتهم واهتمامهم بالموافقة على توقيع مسودة الاتفاق حول وقف إطلاق النار، ووضع حدّا للقتال، واطلاق حملة دولية لحماية المدنيين وإيصال مواد الإغاثة الانسانية، بعد وصولهم مباشرة إلى واشنطن في يوم الأربعاء الموافق 22 أكتوبر 2025، لكن بكل أسف لقد رفضوا القيام بالتوقيع على الاتفاق.
وذكرت التقرير إن المكاسب العسكرية التي حققتها قوات الدعم السريع مؤخرًا، تضعها في موقف عملياتي أقوى من السابق، وتمنحها القدرة والاستعداد للوصول إلى أقاليم أخرى ؛ وربما كانت وجهتها القادمة هي ولايات كردفان الكبرى الغنية بالموارد، وذلك للسيطرة على ما تبقى من مدنها.
يرى التقرير إن المحصلة النهائية هي أن مماطلة السلطة العسكرية في الوصول إلى اتفاق سلمي متفاوض عليه، أو أي نجاح عسكري قادم لقوات الدعم السريع، سوف يزيد موقف الأخيرة التفاوضي قوة..
واضاف التقرير “إذا تحققت تلك السيطرة، فستكون قوات الدعم السريع وحلفاؤها من قوات عسكرية وسياسية، في موقع يسيطرون فيه على أكثر من ثلثي مساحة السودان، ويديرون شؤون أكثر من نصف سكان البلاد تقريبا، مما يعزز مقدرتها على توسيع رقعة الأراضي الخاضعة لإدارتها، لتشمل أجزاء واسعة من البلاد، وهو ما يشكل تهديدًا جديدًا للجيش وداعميه داخل السودان وخارجه.
ويرى التقرير الذي صدر حديثاً إن المحصلة النهائية هي أن مماطلة السلطة العسكرية في الوصول إلى اتفاق سلمي متفاوض عليه، أو أي نجاح عسكري قادم لقوات الدعم السريع، سوف يزيد موقف الأخيرة التفاوضي قوة، وبالتالي تزداد أهمية مكاسبها العسكرية والسياسية.
و يؤكد التقرير إنه من المتوقع أن التقدم الذي أحرزته قوات الدعم السريع سيجبر الجيش والقوى السياسية الداعمة له، خاصة المجموعات الأصولية المتطرفة على التشدد أكثر في مواقفها الداعمة للحرب، وإعلان التعبئة الشعبية العامة والاستنفار العسكري وربما التفكير في اللجوء إلى حسم أي تقدم لقوات الدعم السريع عن طريق استخدام القوة المميتة” حسب تصريحات سابقة لأحد قادة المجلس العسكري الحاكم، وهي إشارة مبطنة إلى استعداد الجيش لاستخدام أسلحة غير تقليدية ومحرمة دوليا.
و يشير التقرير إلى أن هنالك خطر كبير من أن يقوم الجيش والأجهزة الأمنية بتكثيف حملاتهم الانتقامية الاستباقية المتواصلة ضد المدنيين الأبرياء الذين يصفونهم بالمتعاونين مع قوات الدعم السريع، والتي عادة ما تترجم في شكل اعتقالات تعسفية للناشطين السياسيين ودعاة السلام وعمال الإغاثة والمدافعين عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى الاعتقالات والقتل الجماعي للمدنيين خارج الأطر القضائية، وعلى أسس عرقية ومناطقية، وتدمير مساكن الفقراء والعمال والمعدمين، الذين يسكنون في أحياء فقيرة على أطراف المدن الكبرى على الصعيد الخارجي، فإن النجاحات العسكرية الأخيرة لقوات الدعم السريع ستربك حسابات القوى الدولية والإقليمية، المتابعة لشأن الحرب والسلام في السودان، وربما ستجبرها على إعادة صياغة استراتيجياتها، لتصبح مواقفها السياسية في الشأن السوداني الداخلي أكثر صراحة وحدة، وخططها الأمنية أكثر ميلا إلى التدخل العسكري
المباشر لحسم الموقف، خاصة إذا حدثت تطورات جديدة تؤثر على حاضر ومستقبل البلاد والإقليم و بحسب التقرير فقد بدأت تظهر للعلن إرهاصات تلك التهديدات من بعض دول الجوار، خاصة وإن إحدى تلك الدول كانت عبرت عن إمكانية تغيير استراتيجياتها تجاه الأزمة في السودان منذ أواخر العام 2024.
هناك إجماع على أن الحركة الإسلامية الأصولية بمسمياتها المختلفة، تحت رعاية حزب المؤتمر الوطني، هي الجهة الرئيسية التي لها مصلحة مباشرة في إفشال أي محاولة للوصول إلى حل سياسي سلمي متفاوض عليه، ينهي القتال
و يقول التقرير إن هناك اعتقاد سائد بين مراقبي الشأن السوداني، بأنه ما كان لقادة الجيش الجرأة على مواصلة الحرب، والعمل على إفشال كل محاولات الوصول إلى سلام مستدام ومتفاوض عليه في البلاد، لولا وجود قوى خارجية تساندهم وتدعم مجهودهم الحربي، وكذلك وجود قوى سياسية محلية تحرضهم على العصيان وعدم الدخول في أي عملية جادة لإيقاف الحرب، وبدء عملية تفاوضية للوصول إلى السلام والتحول إلى حكم مدني ديمقراطي.
و تابع التقرير “فيما يتعلق بالقوى المحلية فهناك إجماع على أن الحركة الإسلامية الأصولية بمسمياتها المختلفة، تحت رعاية حزب المؤتمر الوطني، هي الجهة الرئيسية التي لها مصلحة مباشرة في إفشال أي محاولة للوصول إلى حل سياسي سلمي متفاوض عليه، ينهي القتال،
ويحد من آثار الأزمة الإنسانية الطاحنة، ويقود إلى التحول إلى الحكم المدني الديمقراطي، بتبعاته المختلفة، من إفشاء لروح العدالة، وحكم دولة القانون، ووضع الأسس السليمة لدولة جديدة حديثة يتساوى فيها المواطنون بلا تفرقة أو تمييز إثني، وتعمها روح التعاون والإخاء.
و نوه التقرير بان كل ذلك التعقيد في المشهد السياسي يتم في ظل تفاقم الأزمة الانسانية بصورة كبيرة، ووسط مطالبات واسعة النطاق
من قطاعات كبيرة من المواطنين بضرورة إيقاف الحرب والدمار بلا تأخير، وفي وجود رؤية سياسية واضحة للسلام وإعادة البناء كان قد طرحها التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، والتي عبّر عنها في مناشدته من أجل السلام وإنهاء الحرب” التي أطلقها رئيسه الدكتور عبد الله حمدوك في بداية مارس 2025، وهي مناشدة أصبحت أساسا عمليا وواقعيًا عزّز خطة دول الرباعية الولايات المتحدة الأمريكية ، الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية ومصر من أجل السلام في السودان، التي أعلن عنها رسميا في 12 سبتمبر 2025، وتم النقاش حول تنفيذ بنودها بين طرفي النزاع في واشنطن في أكتوبر 2025.
و كشف التقرير عن وجود عددا من الدول تتعاون مع الجيش السوداني، وتدعمه في مجهوداته الحربية عبر توفير التمويل وشراء السلاح والمعدات والتكنولوجيا العسكرية، مثل قطر وتركيا وإيران وروسيا والصين وباكستان، لكن دور دول الجوار، مثل مصر، وإريتريا هو الأكثر أهمية وخطورة على السودان من كل النواحي.
واضاف “ولا يقتصر ذلك على دعمهما للمجهود الحربي وإمكانية مشاركة جيوشهما بصورة مباشرة في القتال لصالح الجيش السوداني، بل الأهم من ذلك هو نوايا ومواقف هاتين الدولتين المعلنة من النزاع، بالإضافة إلى قدرتهما على الدخول إلى الأراضي السودانية المتاخمة لحدود هما لاحتلالها واستغلال مواردها، فضلا عن تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي للسلطة العسكرية، مع الغلبة في هذا الدعم تكون لمصر، حفاظا على مطامعها في مياه وأراضي وثروات السودان المعدنية والزراعية والحيوانية الهائلة.
و ذكر التقرير “في الوقت الذي يُركّز فيه الجيش وبعض المراقبين على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم أحد طرفي النزاع، فإن المدهش هو غياب الحديث عن الدعم القطري والمصري والإريتري للجيش السوداني، والمجهود الحربي والاستخباراتي في البلاد، وكذلك هناك تجاهل لدور مصر ودعمها السياسي والدبلوماسي للسلطة العسكرية، في مختلف المنابر التفاوضية ومراكز اتخاذ القرار الدولية والإقليمية.
و اشار التقرير إلى أن إن الخوض في موضوع التدخل المصري في الشأن السوداني أصبح من المحرمات التي لا يثيرها المراقبون ولا تناقشها القوى السياسية السودانية بشفافية ووضوح، رغم خطورته المضاعفة مقارنة بأي تدخل خارجي آخر، و اضاف التقرير إن الدعم يمكن إيقافه بسهولة إذا تأكدت مصادره إذا لم يتمكن السودانيون من إيقاف هذا النزاع المسلح نهائيًا وفي أقرب الآجال وعن قناعة وقرار مستقل للدفاع عن
مصالحهم، فإن الحرب مرشحة للاستمرار لفترة طويلة، وربما تتسبب في صراعات إقليمية أخرى لا تقل ضراوة عن الحالية، وسيكون ذلك على حساب المواطنين الأبرياء ولخدمة أهداف استراتيجية لمصر، ولدرجة أقل مصالح إريتريا وأطماعها في الاستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة في شرق السودان.
حذر التقرير إن المشهد الأمني الإقليمي يزداد تعقيدا، بعد تهديد قوات الدعم السريع للدول المجاورة للسودان، والمتهمة بأنها تسمح باستخدام أراضيها كمنصات لإطلاق عمليات عسكرية، وتوجيه المسيرات القتالية ضد مواقع قواتها..
ونبه التقرير بانه سبق لإريتريا أن هددت بالتدخل عسكريا لمصلحة الجيش السوداني، إذا انتقلت المواجهات العسكرية مع قوات الدعم السريع إلى شرق السودان، وواجه الجيش خطر الهزيمة، إذ اعتبرت ذلك تهديدًا مباشرًا لمصالحها، وبحسب ما جاء في التقرير جاء ذلك التهديد خلال زيارة الفريق البرهان إلى أسمرا، عاصمة إريتريا، في 27 نوفمبر ،2024 ، وقد سبق تلك الزيارة انتشار قوات ميليشيا مسلحة في شرق السودان
تعرف بـ”الأورطة الشرقية” في نهاية أكتوبر 2024 يُعتقد أن هذه الميليشيا خضعت للتدريب والتسليح في إريتريا، وأن انتشارها يشكل غطاء لوجستيا ومخابراتيا متقدما لتدخل محتمل للجيش الإريتري في السودان متى دعت الضرورة.
و حذر التقرير إن المشهد الأمني الإقليمي يزداد تعقيدا، بعد تهديد قوات الدعم السريع للدول المجاورة للسودان، والمتهمة بأنها تسمح باستخدام أراضيها كمنصات لإطلاق عمليات عسكرية، وتوجيه المسيرات القتالية ضد مواقع قواتها، والقول بأن المطارات التي تستخدم لذلك الغرض هي أهداف مشروعة لقوات الدعم السريع، مما حدى بمصر اعلان التعبئة الأمنية العامة وعززت من نشر قوات حرس الحدود والجيش على طول حدودها الجنوبية.
و اعتبر معدو التقرير إن هذا التصعيد يمكن أن يوسع دائرة الحرب خارج حدود السودان، إذ إنه يشي بالاستعداد لمهاجمة مصر أو اريتريا ، إلى جانب خطر توسيع دائرة الحرب وتسريع وتيرة التدخلات العسكرية الخارجية المباشرة .
و يؤكد التقرير فإن أهم المعضلات التي تواجه السودان الآن، هي سعي قوى الإسلام السياسي وحزب المؤتمر الوطني المحلول للعودة إلى سدة الحكم تحت حماية الجيش والأجهزة الأمنية.ة يقتضي هذا السيناريو متلازمتين أولهما دعم قوى الإسلام السياسي غير المحدود
للجيش بالرجال والمال، وثانيهما نشر الإعلام المضلل والإشاعات فيما يُعرف بـ “الجيل الرابع للحروب لضمان انتصار الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع جزء من هذه الحملة هو محاولة تجريم وتشويه صورة القوى المدنية المطالبة بالتحول المدني الديمقراطي في عين المواطنين والمراقبين، وذلك بغرض إخراجها من المعادلة السياسية.
التقرير: يتم استهداف “صمود والقوى المنضوية تحت لواء تحالف “تأسيس”، مما يمهد الطريق لعودة الإسلاميين إلى حكم البلاد تحت حماية العسكر، وربما يتبع ذلك تنظيم انتخابات صورية، لاكتساب شرعية وإعادة إنتاج النظام الشمولي السابق..
و قال التقرير في هذا الإطار يتم استهداف “صمود والقوى المنضوية تحت لواء تحالف “تأسيس”، مما يمهد الطريق لعودة الإسلاميين إلى حكم البلاد تحت حماية العسكر، وربما يتبع ذلك تنظيم انتخابات صورية، لاكتساب شرعية وإعادة إنتاج النظام الشمولي السابق بأسماء وشعارات جديدة.
و اوضح التقرير إن تقديم مصر الدعم غير المحدود لمثل هذا النظام الموالي هو جزء من سعيها للحفاظ على مصالحها، خاصة فيما يتعلق بالاستفادة من حصة السودان من مياه النيل ومواجهة تبعات تشغيل سد النهضة في إثيوبيا. لذلك، تؤكد الدلائل أن.
وعبر تاريخها الطويل هي العقل المدبر وراء استراتيجية حكم الجيش في السودان، وكذلك وراء ترتيب وتنفيذ الانقلابات العسكرية على أنظمة الحكم المدني، ووضع الصعوبات أمام الحلول السلمية المتفاوض عليها للنزاعات المسلحة في البلاد يسود في أوساط بعض الخبراء المصريين الاعتقاد بأن الضامن الوحيد للمصالح الاستراتيجية المصرية في السودان هو وجود سلطة عسكرية تحكم بقبضة من حديد وتدين لمصر بالولاء الكامل، وتكون على استعداد لإجهاض تطلعات الشعب السوداني في التحول إلى حكم مدني ديمقراطي، ونشر الحريات، وتحقيق العدالة وبناء سلام مستدام، واستعادة علاقات خارجية متوازنة، تفك عزلة البلاد وتعود عليها بمنافع اقتصادية وتنموية.
و تناولت التقرير بان تعاون مصر الوثيق مع السلطات العسكرية في السودان وقدرتها على التأثير على متخذي القرار الأمني والسياسي والاقتصادي، تضعها في موقع المستشار الثقة، وأحيانًا في مقام المتهم الأول لما آلت إليه الأوضاع من بؤس وشقاء خاصة وأن استراتيجيتها تجاه السودان لم تتغير كثيرًا، منذ غزوها واحتلالها الاستعماري لهذه البلاد، تحت مظلة الخلافة العثمانية في بداية القرن التاسع عشر (1820). هذه العلاقة الاستعمارية التاريخية هي الأساس الذي بنيت عليه رؤية مصر الاستغلالية تجاه السودان، والتي لا ترى فيه سوى مصدر للمواد الطبيعية الخام، وتابع سياسي واقتصادي، لا شريگا استراتيجيًا تُراعى مصالحه لذلك، تبدو سياسات مصر الحالية تجاه السودان، غير مواكبة لتطور وانتشار الوعي السياسي، وقوة وعنفوان تطلعات الأجيال الجديدة من السودانيين.
رغم أن الاستراتيجية المصرية في السودان متعددة الأوجه، فإن تجلياتها الواضحة في الأزمة الحالية، ومنذ سقوط النظام السابق في أبريل 2019، تتمثل في المحاور التالية التي تتمثل في الحرص على المشاركة الدائمة والمنتظمة في أي منبر للتفاوض، أو تجمع دولي أو إقليمي، صغيرًا كان أو كبيرًا، يسعى لإيجاد حلول لقضايا الحرب والسلام ومعالجة الأزمة الإنسانية في السودان، مع ملاحظة إن مشاركة مصر غالبا ما تساهم في تعقيد تلك المساعي وعرقلتها، لضمان وجود حليف عسكري قوي ومطيع على سدة الحكم في السودان يغلب مصالحها ويضمن لها السيطرة على شؤون البلاد، ويكون مستعدًا للوقوف معها في مواجهة أي تهديدات تتعلق بمصالحها الاستراتيجية، لا سيما أمنها المائي ومكاسبها الاقتصادية بالإضافة إلى توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي للنظام العسكري في كل المحافل التي تناقش قضايا السودان، وعلى جميع المستويات الدولية والإقليمية؛ ومثال على ذلك محاولات مصر المستمرة لإقناع الاتحاد الأفريقي برفع تجميد عضوية السودان في مؤسسات المنظمة القارية، في وقت لا تزال البلاد تعيش أجواء الانقلاب العسكري والحرب. كذلك دور مصر في تحجيم مؤسسات صنع القرار الإفريقية، لا سيما مجلس السلم والأمن الإفريقي، وتعطيل اتخاذ قرارات فعالة كذلك حول قضايا السودان بما لا يتناسب مع خطورة الأزمة، مما شجع النظام العسكري على عدم التجاوب مع مبادرات الاتحاد الأفريقي ودول الإيقاد، فضلاً عن أن غض الطرف عن مماطلة السلطة العسكرية أو رفضها تنفيذ البنود المتفق عليها في محاولات التفاوض السابقة، بما في ذلك احترام إعلان جدة (المملكة العربية السعودية) في مايو 2023، وتنفيذ اتفاقية المنامة (مملكة البحرين) في فبراير 2024 أو التهرب من مائدة التفاوض غير المباشر، كما حدث في محاولات الأمم المتحدة ودول مجموعة متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان لبدء حوارات غير مباشرة حول وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في جنيف الاتحاد) السويسري) في صيف 2024 و ايضا كسر الإجماع وتوافق الآراء الدولي حول إيجاد حلول سلمية، ومعالجة الأوضاع الإنسانية، كما ظهر في إفشالها لمحاولة بريطانيا تشكيل مجموعة اتصال لتسهيل محادثات وقف إطلاق النار، فيما عُرف بمؤتمر لندن السودان في منتصف أبريل 2025 عندما رفضت مصر التوقيع على البيان الختامي، وذلك بغرض إطالة أمد الحرب، أملًا في ، القضاء على قوات الدعم السريع، واستبعاد القوى المؤيدة للتحول المدني الديمقراطي، وإطلاق يد أنصار النظام السابق لتصعيد العنف وتعطيل الحياة في البلاد، بالإضافة إلى إطالة أمد الاقتتال بما يحد من قدرة السودان على تلبية احتياجاته، أو تصدير منتجاته إلى الخارج إلا عن طريق مصر. كما إن تواصل الحرب والاقتتال يعني تدمير البنية التحتية للبلاد، وارتفاع فاتورة إعادة الإعمار التي تسعى مصر لاحتكارها عبر شركاتها الأمنية، بهدف تحقيق عدة مكاسب، منها الحصول على مليارات الدولارات، وتوطين ملايين العمال المصريين في السودان، بحجة العمل في مهن هامشية كعمال وحرفيين وفلاحين وتجار و كذلك إن تطاول فترة النزاع تؤدي إلى تعميق عزلة السودان الدولية وإيقاف مساعدات التنمية وإعفاء الديون الخارجية وتعطيل محاولاته للانفتاح على النظام المصرفي العالمي، في هذه الخصوص فقد دعمت مصر قيام الانقلاب العسكري في 2021، وشجعت على القضاء على تجربة الحكم الانتقالي، برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك.
و تخلص الورقة إلى أنَّ النزاع المسلح في السودان في طريقه لأن يصبح مهددا دوليا واقليميا معقدًا، يتجاوز حدود السودان إذ إن السودان قد أصبح حلبة صراع لقوى خارجية متنافسة، يعمل كل منها من أجل مصالحه على حساب دماء ومعاناة السودانيين، وأول وأهم تلك القوى هي مصر.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.