بيــن الرباعيـة الدولـية وإرث الإخــــوان

أ/سلــيم محـمد عبداللـه

يقف السودان اليوم على مفترق طرق تاريخي، حيث تتقاطع فيه إرادة شعب أنهكه النزاع الطويل، مع طموحات قوى تاريخها مشبّع بالدماء والفساد، وبين تدخل دولي يسعى لإطفاء نيران الحرب وإعادة بناء الدولة المنهارة. لقد ارتفعت أصوات المجتمع الدولي بعد أن تجاوزت الأزمة حدود الدولة والإقليم، لتصبح اختبارًا حقيقيًا لمصداقية العالم في حماية الحق الأساسي للمواطن السوداني في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة.

انتقل ملف الحرب السودانية من إطار الوساطات الإقليمية المحدودة إلى منصة الرباعية الدولية، التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة العربية السعودية، مصر، والإمارات، في خطوة استراتيجية تعكس إدراكًا عالميًا بأن السودان لم يعد مجرد نزاع داخلي، بل ميدان اختبار لإرادة السلام وقدرة القوى الدولية على فرضه فعليًا على الأرض.

وسط هذا التحول، يطرح سؤال جوهري: كيف يمكن الوثوق بالإخوان المسلمين، الذين لطخ تاريخهم الدماء والفساد، بينما يتحدثون اليوم عن إرادة المواطن ومصلحة الوطن؟ فالتناقض بين خطابهم الظاهري المعلن وخلفيتهم الباطنية المليئة بالحروب والتدمير يجعل أي مسار سلام رهينًا بالمراقبة الدولية الحازمة والضغط المستمر.

الإخــوان المسلــمون: تــاريخ من الدمــاء والخـــراب

الإخوان المسلمون في السودان تركوا إرثًا مظلمًا، مليئًا بالعنف والتدمير وانتهاك حقوق الإنسان، مع سياسات خدمت مصالحهم الحزبية على حساب الدولة والمواطن.

هم من أشعلوا الحروب، وقتلوا آلاف المدنيين في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.

هم من شردوا ملايين السودانيين إلى المخيمات الداخلية والخارجية، وحولوا الوطن إلى فضاء للنزوح والمعاناة.

دمروا مؤسسات الدولة، وحولوها إلى أدوات حزبية تخدم أهدافهم الشخصية، على حساب المصلحة الوطنية والمصلحة العسكرية المستقلة.

تحت حكمهم، انتشر الفساد المالي والإداري والأخلاقي، واستمر نهب الثروات العامة، مما أضعف الدولة وأفرغ مؤسساتها من أي قدرة على حماية المواطن.

هذا التاريخ المظلم يجعل أي حديث عن دعمهم للشعب أو وطنية خطابهم مضللاً ومتناقضًا بشكل صارخ مع الحقائق التاريخية، إذ يتحدثون عن الشعب وهم من دمّر حياته ومصادر رزقه وأمنه.

ازدواجــية الخطــاب: الــظاهر والــباطن

اليوم، يرفع الإخوان شعارات دعم الرباعية وخارطة السلام، ويظهرون وكأنهم مناصرون للانتقال المدني الديمقراطي.

لكن التاريخ وسلوكهم يكشفان:

الخطاب الظاهري يروج لدعم الشعب والمصلحة الوطنية.

الخطاب الباطني يهدف إلى الحفاظ على النفوذ واستعادة السيطرة على الدولة ومؤسساتها.

تاريخهم الطويل في إشعال النزاعات والمراوغة السياسية يجعل احتمالية رفضهم الباطني لأي عملية تقصيهم عن السلطة مرتفعة جدًا.

بهذا، يصبح خطابهم الحالي ستارًا إعلاميًا يخفي إرادة مضادة للسلام والانتقال المدني الديمقراطي.

الشعــب السودانـــي: ضـــحايا الســياسات الإخـــوانية

من المفارقات المأساوية أن الإخوان يتحدثون اليوم عن المواطنين وحقوقهم، بينما هم المسؤولون عن قتل وتشريد الملايين:

المواطنون في المخيمات والنازحون في الداخل والخارج هم ضحايا مباشرون للإرث الدموي والسياسي للإخوان.

الخراب الاقتصادي والاجتماعي، وانهيار مؤسسات الدولة، جميعها نتاج سياسات الإخوان التي فضلت المصالح الحزبية على الوطنية.

تحويل الأجهزة العسكرية والأمنية إلى أدوات حزبية أضعف الدولة وجعل الشعب أكثر هشاشة أمام النزاع.

كل حديث عن الشعب يبقى مجرد ستار يخفي الحقيقة المؤلمة لتاريخهم الطويل في القتل والتدمير والفساد.

الرباعيــة الدوليـــة: أفــق جــديد للــسلام

تأتي الرباعية الدولية كإطار قادر على فرض خارطة طريق للانتقال المدني الديمقراطي، وتقديم أدوات ضغط فعالة على جميع الأطراف، بما في ذلك الإخوان.

الرباعيــة تجمـــع بيـــن:

النفوذ السياسي الأمريكي لفرض القرارات الدولية.

الموارد الاقتصادية لدعم إعادة الإعمار وضمان الاستقرار.

الشرعية الإقليمية للمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر لتعزيز الالتزام المحلي.

هذا التحرك الدولي يمثل فرصة تاريخية لإعادة بناء الدولة، لكن نجاحه مرهون بإرادة سياسية دولية قوية وفرض آليات رقابية صارمة.

الانتــقال المدنــي وخارطة الســلام: تحــديات جوهــرية

نجاح الرباعية الدولية مرتبط بقدرتها على فرض انتقال مدني حقيقي، مع إقصاء الإخوان من مفاصل الدولة، حيث أن أي مشاركتهم ستكون:

مصدر تهديد لاستقرار العملية الديمقراطية.

محفزًا لإعادة إنتاج الفساد والممارسات المشبوهة.

عائقًا أمام استعادة …

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.