مصر والجيش السوداني .. دعم عسكري وإستخباراتي
نيروبي – عين الحقيقة
منذ وقت مبكر بدأت تدخلات مصر في الصراع الدائر في السودان، وبدأ تدخلها بتقديم الدعم الجوي وتوفير معلومات إستخباراتية عسكرية وأسلحة نوعية، ومنذ اندلاع الحرب في 15 – أبريل – 2023م بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اتخذت مصر موقفًا واضحًا بدعم الجيش السوداني وكان دعمها سياسيًا ودبلوماسيًا، ويؤكد الكثيرين أن القاهرة قدّمت مساعدات عسكرية مباشرة للجيش السوداني، بما في ذلك إمدادات أسلحة وتدريب عسكري لقوات الجيش السوداني، وما يؤكد هذه الفرضية وجود قوات مصرية في قاعدة مروي الجوية بشمال السودان والتي كانت أحد أسباب التسريع بإندلاع الحرب.
ويبدو ظاهرياً أن أسباب الوجود المصري العسكري في السودان تعود للمشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة بين الجيشين (حماة النيل) والتي تم فيها استبعاد قوات الدعم السريع وفق ما كشف مصدر واسع الإطلاع لصحيفة (عين الحقيقة) رفضت مصر مشاركتهم وبعدها لم تغادر القوات المصرية الأراضي السودانية كما هو متعارف عليه بعد نهاية التدريبات المشتركة، وهذا الأمر يؤكد تورط مصر في حرب السودان، فيما يؤكد الواقع أن مشاركة الجيش المصري في الحرب لصالح الجيش السوداني لم تخف على أحد، وفي ذات السياق أكد شهود عيان من شمال السودان رؤية الطيران الحربي المصري في سماء البلاد، وهذا يؤكد أن مصر ساندت الجيش السوداني في حسم قوات الدعم السريع عسكرياً.
وكان قائد قوات الدعم السريع (حميدتي) اعتبر وجود القوات المصرية في مطار مروي تهديدا مباشراً وطالب قائد الجيش الفريق (البرهان) بسحبها في لقاء تصالحي، سعى لخفض التوتر، جمعهما في مزرعة أحد رجال الأعمال بحي كافوري بتاريخ 8 – أبريل 2023م قبل أسبوع من اندلاع الحرب، وفشل المساعي التصالحية جعلت (حميدتي) يرسل قواته لتحاصر قاعدة مروي الجوية، ومع انطلاق الرصاصة الأولى في المدينة الرياضية بالعاصمة الخرطوم ارتد صداها في شمال البلاد ووقع في أسر قوات الدعم السريع عدد من الضباط والجنود المصريين الذين تمت إعادتهم لاحقا لبلادهم.
ويؤكد الواقع أن مصر كانت في طليعة الدول الداعمة للجيش السوداني منذ بداية الصراع في السودان، وعندما بدأت الحرب في منتصف أبريل من العام 2023م، تقطعت السبل بـ (250) جنديًا مصريًا في قاعدة مروي الجوية في السودان، حيث كانوا جزءًا من مهمة تدريب مشتركة بموجب اتفاقية عسكرية تم توقيعها بعد ثورة ديسمبر في عام 2019. وعندما اندلعت الحرب في أبريل 2023، احتجزت قوات الدعم السريع جنودًا مصريين كانوا في قاعدة مروي الجوية، ونشرت مقاطع فيديو لهم كرهائن في رسالة سياسية واضحة، ويبدو أن هذه الحادثة أثارت غضبًا رسميًا وشعبيًا في مصر، وعززت موقف القاهرة الداعم للجيش السوداني، إضافة إلى ذلك، اتّهم قائد قوات الدعم السريع، حميدتي، مصر بدعم الجيش عبر إمدادات عسكرية، بل وزعم أن الطائرات المصرية استهدفت مواقع قواته في ولاية سنار، وهذه الادعاءات، حتى لو نفتها القاهرة رسميًا، تؤكد أن العلاقة بين الطرفين بلغت مستوى متقدّمًا من العداء.
وبعد وقت قصير من خسارة قوات الدعم السريع لموقع جبل موية الاستراتيجي بولاية سنار في 5 – اكتوبر – 2024م، قال قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو : (مصر تقاتلنا) واتهم دقلو مصر بتنفيذ غارات جوية كثيفة على قواته، والتي زعم أنها أجبرتهم على الانسحاب، كما اتهم مصر بتزويد الجيش السوداني بطائرات مقاتلة صينية من طراز(K-8 ) وتدريبها، وشنّ حميدتي هجومًا عنيفًا على مصر، وهددها من خلال إعلانه القبض على بعض الجنود المصريين (المرتزقة) من وجهة نظره، وفرض عقوبات على التجار في المناطق الخاضعة لسيطرة قواته في حال تصديرهم أي منتجات (للعدو) وهو هنا يقصد (مصر) وفي ذات السياق أكد مستشار قائد قوات الدعم السريع الباشا الطبيق أن مصر قدمت طائرات من طراز (كيه – 8) وذخائر من طائرات (أنتونوف) ومعدات أخرى للجيش السوداني، واصفا ذلك بـ(المساعدات العسكرية المباشرة).
وفي 11 – أكتوبر – 2024م حذرت قوات الدعم السريع الحكومة المصرية وأجهزتها مما وصفته بالتمادي في (التدخل السافر) في الشؤون السودانية من خلال دعم الجيش السوداني، واتهم الناطق الرسمي باسم قوات الدعم المقدم الفاتح قرشي في بيان نُشر على منصة (إكس) وقتها السلطات المصرية، بأنها كانت (شريكاً أساسياً) في إشعال الحرب المستمرة منذ أكثر من عام بين هذه القوات والجيش السوداني الذي وصفه البيان بأنه (مختطف من قبل الحركة الإسلامية) وكذلك بعرقلة الجهود الرامية لإحلال السلام والاستقرار.
وقال الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع إن طائرات مصرية، كانت في قاعدة مروى العسكرية بشمال السودان، ضمن (الخطة العسكرية لإشعال الحرب) في الخامس عشر من إبريل من العام الماضي، متهماً مصر بتقديم دعم عسكري للجيش السوداني، في صورة (سلاح وذخائر وقنابل الطائرات والتدريب، إلى جانب الدعم الفني والسياسي والدبلوماسي والإعلامي) وتسهيل (دخول إمدادات السلاح والذخائر والطائرات والطائرات المُسيَّرة) عبر الحدود المصرية، وفقا لما قالته قوات الدعم السريع.
وتفيد متابعات (عين الحقيقة) إن مصر دعمت الجيش السوداني منذ البداية، بل وظلت تؤثر حتى على القرارات العسكرية، وكانت تعتبر خسارة الجيش للخرطوم كانت خطأ استراتيجي بالنسبة للقاهرة، وهو الأمر الذي دفعها الى بذل جهودها الكبيرة في المساهمة في سيطرة الجيش على ولاية الخرطوم وولاية الجزيرة من خلال الدعم العسكري والإستخباراتي النوعي الذي قدمته مصر للجيش السوداني، وكشفت مصادر واسعة الاطلاع عن حقيقة مفادها إن المسؤولين المصريين أصروا على ضرورة استعادة الجيش السيطرة على العاصمة الخرطوم، وتجنب الاستقرار في بورتسودان، وهو ما تعتقد مصر أنه من شأنه أن يقوض شرعية القوات المسلحة السودانية في حكم البلاد بحسب ما أفاد المصدر.
وأكد مصدر عسكري رفيع فضل حجب إسمه تحدث لصحيفة (عين الحقيقة) ان مصر أرسلت خبراء استخبارات عسكرية إلى بورتسودان لتنسيق ودعم عمليات الجيش السوداني، وكشف المصدر أن مصر والجيش السوداني فتحتا ممر إمداد عبر حلفا، مما سمح لمصر بتزويد الجيش بالأسلحة والدعم، وكان الدعم الجوي المصري حاسما للجيش، وقال المصدر إن القوات الجوية المصرية ساعدت الجيش السوداني في استعادة مواقع استراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك الجسور الثلاثة الرئيسية، واستهدفت جسر شمبات لتعطيل خطوط إمداد قوات الدعم السريع.
وأفاد المصدر العسكري ان مصر اشترت أسلحة من صربيا لتزويد الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، حركة تحرير السودان، بقيادة ميني أركو ميناوي، حاكم دارفور، وبحسب المصدر، كانت الأسلحة تحت إشراف عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية السابق، وتم تسليمها إلى العاصمة التشادية قبل أن تصل إلى الحركة في دارفور بالسودان، وحدث هذا في نفس اليوم الذي وردت فيه أنباء عن وجود كامل في تشاد للقاء الرئيس محمد ديبي. وقيل علنًا أن كامل كان يسلم رسالة مكتوبة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وفي أعقاب هذه التطورات، أشار المصدر إلى أنه تم استدعاء الرئيس التشادي محمد ديبي إلى الإمارات العربية المتحدة، مما أدى إلى إقالة وزير الدفاع التشادي.
وفي ذات المنحى ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أن مصر زودت القوات المسلحة السودانية بطائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار (تي بي 2) في نوفمبر 2024م لتعزيز قتالها ضد قوات الدعم السريع، وكشف مسؤولون أمنيون أن أفراد الجيش السوداني تلقوا تدريبات على استخدام الطائرات بدون طيار في مصر.
ويؤكد الواقع التاريخي إرتباط الجيش السوداني بمصر، وان الجيشان بينمها علاقات تاريخية عميقة، تنبع من قرون من العلاقات السياسية والعسكرية المتشابكة، وتاريخيًا، يتمتع الجيش السوداني والمصري ببرامج تدريبية مشتركة وتعاون استراتيجي وتأثير متبادل على القيادة السياسية، وغالبًا ما كانت الشخصيات العسكرية من كلا الجانبين تنتقل في حكم بلديهما، ويسلط هذا الارتباط الدائم الضوء على الدور المركزي للمؤسسات العسكرية في تشكيل المشهد السياسي في السودان ومصر، ويؤكد الواقع إن العلاقة بين الجيشين المصري والسوداني قديمة، وتمتد جذورها إلى الفترات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية، وفي عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري كانت هناك تفويضات متبادلة بين الجيشين، وكان الحكم العسكري هو أفضل سبب للعلاقات بين البلدين.
ويبدو أن هناك ملاحظات عديدة تؤكد تورط مصر في حرب السودان، أبرزها اتهام مصر بالمشاركة في عمليات التدريب والقتال مع الجيش السوداني، وأنها ظلت تدعم الجيش السوداني بكل الإمكانيات العسكرية، فضلاً عن الربط بين مصر والجيش السوداني الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين، بجانب اتهام مصر بعرقلة مفاوضات جدة الأولى والثانية، والمنامة، ومفاوضات جنيف الأخيرة؛ لكونها لا تضمن بقاء الجيش في السلطة، فضلاً عن اتهام مصر بعدم الحياد من خلال وصف الخارجية المصرية في أحد بياناتها الدعم السريع (بالمليشيا).
ومن خلال الواقع الماثل يبدو واضحاً أن مصر ستظل أقرب حليف لحكومة بورتسودان الحالية، لجهة أن قضية الانتقال المدني في السودان تهدد المؤسستين العسكريتين السودانية والمصرية، فيما يرى بعض الخبراء السياسيين أن استراتيجية القاهرة في السودان تدور حول ضمان وجود نظام صديق في الخرطوم يضمن وصول مصر إلى مياه النيل، خاصة في ضوء الاتفاقيات الأخيرة غير المواتية للقاهرة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.