الأخوان المسلمون والنشأة السوداء .. نهاية مشروع الفتنة والإرهاب

 

كمبالا – عين الحقيقة

دخلت جماعة الإخوان المسلمين الفضاء السياسي عام 1928 على يد عرابهم حسن البنا في مصر – تحت شعار- الإسلام هو الحل، مستغلة الدين ستاراً لتحقيق أهدافها السياسية والسلطوية، ولم تلبث الجماعة طويلاً حتى تحولت إلى تنظيم سري مسلح، يتبنى العنف والاغتيالات والانقلابات لتحقيق مشروعها السياسي، متخفية وراء العمل الدعوي والخيري لاختراق المجتمعات والمؤسسات، وكانت الجماعة تضع نصب أعينها السيطرة على الحكم بأي وسيلة، متخذة من مبدأ؛ الغاية تبرر الوسيلة: قاعدة لتبرير أفعالها الدموية، وسرعان ما بدأ فكرها في التمدد إلى خارج مصر، عبر إنشاء خلايا طلابية وتنظيمات تابعة في الدول العربية والإسلامية، مستغلة ظروف الفقر والاستعمار والنزاعات السياسية لتجنيد الأتباع.

فالسودان من أوائل الدول التي استقبلت الفكر الإخواني، عبر القيادي الراحل د. حسن عبدالله الترابي، الذي تمكن من تأسيس تنظيم قوي تغلغل في أوساط المؤسسات السودانية، مستفيداً من الفترات الانتقالية وهشاشة مؤسساتها. وفي عام 1989، نفذ الترابي وأتباعه انقلاباً عسكرياً ضد حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطياً، معلنين بداية حكم الإخوان المسلمين الفعلي للسودان تحت غطاء نظام مشروع الإنقاذ الوطني، وخلال حكمهم الذي استمر ثلاثة عقود، عانى السودانيين من الانهيار السياسي والاقتصادي، حيث تم تدمير مؤسسات الدولة علي حساب التمكين الحزبي، وتفشى الفساد في كل أجهزة الدولة، وقمعت الحريات بشكل ممنهج، وتحولت البلاد بأسرها لحاضنة لجماعات إرهابية، بمد إسلامي واسع وتعاون عالمي، ما جعل السودان مركزاً للعقوبات الدولية والعزلة السياسية.

وإبان عقود انصرمت ارتكب نظام الإخوان المسلمين جرائم بحق الشعب السوداني فضحت ضحالة تدثرهم بالإسلام: فأشعلوا الحرب الأهلية بجنوب السودان، ما أدى إلى انفصاله في عام 2011، من ثم أشعلوا الحرب بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، مسببين مآسي إنسانية مروعة، بالإضافة لجعل العاصمة الخرطوم مقراً آمناً للقيادات الإرهابية، أبرزهم أسامة بن لادن الذي استقر بالسودان في تسعينيات القرن الماضي.

بيد أن في ديسمبر 2018م، اشتعلت شوارع الخرطوم بثورة سلمية منقطعة النظير قادها الشباب والنساء والنقابات، ضد حكومة حزب المؤتمر الوطني وذراعها الإخواني الحركة الإسلامية، وبرغم محاولاتهم قمع المظاهرات بعنف دموي، الا إن إصرار الشارع أجبر القوات المسلحة على عزل عمر البشير في أبريل 2019، في مشهد تاريخي مثل انتصاراً مدوياً لإرادة الشعوب السودانية، وعلي الرغم من سقوط رأس النظام، بقيت جذور الإخوان متغلغلة في مؤسسات الدولة، وأصبحوا يعملون في الخفاء لإفشال الانتقال الديمقراطي عبر إثارة الأزمات الاقتصادية والأمنية، وتخريب عملية بناء مؤسسات الحكم المدني.

وفي إبريل 2023م، أشعل الجناح العسكري المؤدلج للأخوان المسلمين بالجيش حرب طاحنة في الخرطوم، تحولت البلاد علي إثرها لصراع دموي واسع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومن ثم استغلت خلايا الإخوان هذا الانقسام، وتحالفت مع بعض المليشيات المسلحة، لإعادة إنتاج حكم الفوضى، وضرب مسار الانتقال المدني، وأسفرت هذه الحرب عن مآسي إنسانية مروعة: مئات الآلاف من القتلى والجرحى، ملايين من النازحين واللاجئين، وانهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة. ولقد تجلي للعالم مجدداً أن الإخوان المسلمين أي الحركة الإسلامية في السودان، وإن خسروا الحكم الرسمي، لا يزالون يتشبثون بالعنف كأداة للوصول للسلطة.

وفي مشهد سياسي يؤكد الوعي الإقليمي والدولي المتزايد بمخاطر المشروع الإخواني إقليمياً، ألغت السلطات السعودية مساء الجمعة الماضي فعالية “تحرير الخرطوم” التي كانت تنظمها الرابطة الرياضية بالتعاون مع السفارة السودانية بالرياض، وعلي ضوء ذلك، تدخلت الأجهزة الأمنية السعودية فور سماعها أهازيج وشعارات مرتبطة بكتائب إخوانية مسلحة، معروفة بسجلها الأسود في تأجيج الصراعات المسلحة في السودان، وأوقفت الفعالية حفاظاً على الأمن، ولمنع استغلال الأراضي السعودية للترويج لأجندات سياسية دموية.

ويأتي هذا التحرك في الوقت انسجاماً مع موقف المملكة الرافض لتحويل الأراضي السعودية إلى ساحة صراع سياسي، وإيمانها بأهمية دعم الاستقرار الإقليمي، وعدم السماح بإقامة أنشطة تحريضية تهدد الأمن والسلم المجتمعي، ولم تكن السعودية وحدها في التصدي لهذا التنظيم؛ فقد اتخذت الحكومة الأردنية مؤخراً قراراً عاصفاً بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، معتبرة أنها فقدت شرعيتها القانونية، وتحولت إلى تهديد مباشر للأمن الوطني.

وجاءت هذه الخطوات الإقليمية في الوقت تحديداً، نتيجة لتورط الإخوان المسلمين في أنشطة مشبوهة: مثل التحريض على العنف، واستغلال العمل السياسي والدعوي كغطاء لأجندات تخريبية. وهو ما يعكس توجهاً عربياً وإقليمياً جديداً لتصفية نفوذ الجماعات الإسلامية وقطع الطريق أمام محاولات إعادة تموضعها في المشهد السياسي، وفي الواقع يبدو أن مشروع الإخوان المسلمين يعيش آخر مراحله، بعد أن لفظته الشعوب، وتكشفت حقيقته أمام العالم.. في السودان، وفي سائر الدول العربية، والإفريقية أصبح من الواضح أن لا مستقبل لمشروع يقوم على استغلال الدين لخدمة العنف والدمار، وإذ تمضي الشعوب نحو بناء دول مدنية ديمقراطية حديثة من خلالها، يظل الدرس واضحاً: بأن لا مكان ولا مجال وسط الشعوب التي تتوق للحرية من يستمرأون حمل السلاح ضد إرادتهم، وهم في الأصل تجاراً للدين لهدم حقوقهم في جميع الأوطان.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.