مستقبل القوات المشتركة.. بين التماهي العسكري والتحولات السياسية

تقرير – عين الحقيقة
في تطور ميداني لافت منذ الشهر الماضي، نقلت القوات المشتركة، التي تتكون من حركات دارفور المسلحة، محاور معاركها القتالية من مواقع تمركزها بالولايات الشمالية والشرقية إلى نحو مناطق الاشتباك الساخنة في ولاية غرب كردفان، تحديداً في محليتي النهود والخوي، وذلك تمهيداً لفك الحصار عن الفاشر وتحرير الفرق العسكرية الاربعة بولايات دارفور من سيطرة قوات الدعم السريع، التي استولت عليها على إثر معارك ضارية دارت بينها والجيش في الأعوام الماضية.
وفي أوج التحشيد العسكري بين قوات الدعم السريع والجيش والقوات المساندة لها، طرحت تحركات القوات المشتركة المباغتة من الولايات الشمالية جملة من التساؤلات حول مدى قدرة هذه القوات، التي تضم حركات دارفور المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، على الاستمرار كلاعب مؤثر في المشهد العسكري والسياسي، على خلفية إعلانها الانخراط الكامل، دعماً الجيش وكتائب الحركة الإسلامية الجهادية لمواجهة قوات الدعم السريع.

مع اشتعال حرب 15 أبريل، وجدت القوات المشتركة نفسها أمام اختبار سياسي وعسكري عصيب..

تكونت القوات المشتركة إبان توقيع اتفاق جوبا للسلام السودان في أكتوبر 2020، كجزء من الترتيبات السياسية والأمنية التي تهدف إلى دمج قوات حركات الكفاح المسلح في المنظومة الأمنية للدولة آنذاك. وتضم هذه القوات: حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، إلى جانب تجمع قوي تحرير السودان بقيادة الطاهر أبوبكر حجر، وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي إدريس، وحركة التحالف السوداني بقيادة خميس عبدالله أبكر.
ومع اشتعال حرب 15 أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، وجدت الحركات المسلحة التي تتشكل منها القوات المشتركة نفسها أمام اختبار سياسي وعسكري عصيب، وسط انقسام واضح في مواقف أطراف قوى الكفاح المسلح التي دخلت العملية السلمية، إبان تكوين حكومة ثورة ديسمبر المجيدة برئاسة د. عبدالله حمدوك.
وفي خضم الصراع السياسي والعسكري في البلاد، يرى مراقبون أن انخراط القوات المشتركة في الحرب بجانب الجيش لم يكن خياراً حراً بالكامل، بل جاء كضرورة وجودية للحفاظ على المكاسب والمصالح السياسية لقيادات هذه القوات، في ظل تفكك الدولة وتصاعد المعارك بين الجيش والدعم السريع.

خبير: المواقع الجغرافية لمعسكرات الحركات المسلحة وارتباطها بالفرق والمواقع العسكرية للجيش دفعتها تلقائياً لتبني موقف الجيش..

ومن وجهة نظر عسكرية، أبان خبير عسكري فضل عدم ذكر اسمه” لصحيفة عين الحقيقة، أن المواقع الجغرافية لمعسكرات الحركات المسلحة بحكم قربها وارتباطها بالفرق والمواقع العسكرية للجيش على خلفية توقيع اتفاقية جوبا للسلام دفعتها تلقائياً لتبني موقف الجيش، بما يتيحه من غطاء شرعي ودعم لوجستي، لافتاً إلى أن هذه القوات، برغم توقيعها على اتفاق السلام، لم تندمج فعلياً في المؤسسة العسكرية، ولم تكتسب الخبرة الكافية في العمليات النظامية، لكنها ظلت ذات أهمية للجيش، لتشابه استراتيجياتها العسكرية مع قوات الدعم السريع، لا سيما في خوض المعارك التي تتمثل في كثافة النيران وسرعة الاقتحام.
أما من حيث التقديرات السياسية، يعتقد المحلل السياسي، عبدالكريم محمد الضي أن مستقبل مشاركة قادة الحركات المسلحة في السلطة أصبحت مهددة بالتآكل، لا سيما إذا استمرت الحرب لفترة طويلة او انتهت بتسوية سياسية تستبعد الكيانات التي خاضت القتال بجانب الجيش، مضيفاً أن تحول هذه الحركات من قوى سلام إلى أطراف في النزاع مسلح قد يُضعف من شرعيتها ١التفاوضية مستقبلاً، ويفتح الباب أمام عزلها دولياً باعتبارها طرفاً غير محايد. وتابع قائلاً إن القوى المدنية، قد تنتهز هذا الموقف لتقويض الدور السياسي لهذه الحركات مستقبلاً، في الوقت الذي يذهب فيه الأطراف المتنازعة لوضع ترتيبات انتقالية جادة تؤسس لسلطة مدنية ديمقراطية.

 خبراء يشككون في قدرة (المشتركة) على الاستمرار كوحدة موحدة، في ظل غياب الانسجام السياسي وتضارب الأجندة الداخلية بين قادتها

وفي الإتجاه ذاته، شكك بعض الخبراء في قدرة القوات المشتركة على الاستمرار كوحدة موحدة، في ظل غياب الانسجام السياسي وتضارب الأجندات الداخلية بين قادتها الفاعلين.. إلي ذلك، قال أحد الخبراء العسكريين في وقت سابق إن الانتماءات القبلية والمناطقية لا تزال حاضرة بقوة في تركيبة هذه القوات، ما يجعلها عرضة للتفكك السريع إذا ما فقدت الدعم السياسي أو التمويل العسكري، مشيراً إلى أن بعض عناصر هذه القوات غير منضبطة وتفتقر إلى الهيكل القيادي الموحد، وهو ما ظهر في ولاية شمال دارفور (الفاشر) التي شهدت تجاوزات ميدانية كبيرة لم تكن في صالح هذه الحركات في المستقبل.
* تواجه القوات المشتركة مستقبلاً سياسياً وعسكرياً غامضاً، بين احتمالات دمجها في الجيش، أو تحولها إلى قوة سياسية تعبر عن تطلعات مناطق الهامش
وفي الواقع، أفادت تقارير صحيفة أن تحركات القوات المشتركة من الشمال والشرق إلى ولايتي غرب كردفان والنيل الابيض، من ثم التوجه إلى إقليم دارفور، يُقرأ كرسالة سياسية وعسكرية مزدوجة من جهة، ويؤكد التزام هذه القوات بخط الجيش وتماهيها مع المشروع القتالي ضد الدعم السريع من جهة أخرى، ولفتت التقارير إلى أن للجيش مساعي لإعادة توزيع القوى العسكرية في إطار خطط الدفاع الاستراتيجي عن المناطق الحيوية في ولايتي كردفان والنيل الأبيض، وهو ما يطمح فيه الجيش حالياً بأن تلعب هذه القوات دوراً ميدانياً أكبر في معارك غرب كردفان، خاصة في ظل معرفتها بطبيعة الأرض وخبرتها السابقة في القتال في الأقاليم الغربية.
بناءً على هذه المعطيات، قد تواجه القوات المشتركة مستقبلاً سياسياً وعسكرياً غامضاً، يتراوح بين احتمال دمجها في المنظومة العسكرية الرسمية تحت قيادة الجيش، أو تحولها إلى قوة سياسية تعبر عن تطلعات مناطق الهامش.. وعليه فإن مدى تماسك هذه القوات أثناء الحرب وبعدها سيشكل عاملاً حاسماً في رسم ملامح مستقبلها.. أما في حال التوصل لتسوية سياسية شاملة تُعيد الحكم إلى القوى المدنية، فقد تُثار تساؤلات بشأن شرعيتها ومدى قبولها كممثل لقوى الهامش.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.