خلافات مكتومة تهدد وحدة حركة تحرير السودان قيادة “مناوي”

بورتسودان – عين الحقيقة

ثمة خلافات مكتومة امتدت لزهاء العامين وسط قيادات حركة وجيش تحرير السودان قيادة “مناوي” لجهة انفراد رئيس الحركة، باتخاذ القرارات السياسية والعسكرية، ما أدى لنزاع وشقاق وسط القيادة العسكرية العليا للحركة، أبرزهم القائد العام للجيش الفريق جمعة محمد حقار، وقائد الأركان اللواء فيصل صالح، بجانب عدد من الضباط وضباط الصف من جهة، فضلاً عن رئيس الحركة مني أركو مناوي ومناصريه، لا سيما أبناء عشيرته من الضباط وضباط الصف والجنود من جهة أخرى، على خلفية إعلان الأخير فك الحياد والانخراط في العمليات القتالية دون استشارة القيادة العسكرية للحركة، في خطوة اعتبرتها القيادة العسكرية آنذاك انفراداً بالقرار، يهدد وحدة الحركة وقوتها في الميدان العسكري والفضاء السياسي.

وتعود جذور الخلاف المكتوم إلى القرار الذي اتخذه رئيس الحركة، “مناوي” قبيل عامين من ولاية البحر الأحمر وحاضرتها مدينة بورتسودان عبر مؤتمر صحفي، والذي قضى بتخلي الحركة عن موقف الحياد، والاصطفاف بجانب الجيش .. بيد أن ما أثار استغراب القيادة العسكرية والجدل داخل أروقة الحركة، بأن القرار اتُخذ وأُعلن دون اجتماع عسكري بين رئيس الحركة والقيادات العسكرية المؤثرة في الميدان.

ضابط بالحركة: القيادة العسكرية لم تُستشر في اتخاذ القرار، بينما تم إقصاؤها تماماً، وهو ما عده تصرفاً غير مسؤول من قيادة الحركة السياسية في ذاك الوقت الحرج

بيد أن مناصري مناوي يرون أن قراره كان ضرورياً نظراً للتطورات الميدانية، وضرورة حسم موقف الحركة، بينما يرى مقربون من القائد العام، الفريق جمعة حقار، أن ما حدث من قبل مناوي يمثل تجاوزاً صارخاً لمبدأ القيادة الجماعية.

وفي السياق، قال ضابط بحركة تحرير السودان، فضل حجب اسمه لصحيفة “عين الحقيقة” إن قراراً مصيرياً كهذا يجب ألا يصدر من المكتب السياسي لوحده، موضحاً أن القيادة العسكرية لم تُستشر في اتخاذ القرار، بينما تم إقصاؤها تماماً، وهو ما عده تصرفاً غير مسؤول من قيادة الحركة السياسية في ذاك الوقت الحرج، بحسب تعبيره.

ومن جهة أخرى، ذكرت مصادر عسكرية لـ”عين الحقيقة” أن القائد العام، جمعة محمد حقار، أبدى اعتراضه صراحة إبان اتخاذ القرار في اجتماعات داخلية، محذراً من مغبة التسرع في الانخراط في الحرب دون استعداد كافي أو توافق داخلي، مشدداً على أن قرار الحرب يجب أن يكون بموافقة القيادة العسكرية والسياسية، وليس نابعاً من رؤية فردية.

وأكدت تقارير ميدانية أن هذه الخلافات بدأت تنعكس على أداء قوات الحركة، حيث لوحظ التراجع في التنسيق بين المحاور، وتردد القيادات الميدانية في تنفيذ الأوامر، بالأخص في المحاور التي يقودها ضباط موالون للقائد جمعة حقار. ويخشى ضباط ميدانيون من أن يؤدي هذا الانقسام إلى خلخلة الصفوف، في وقت تخوض فيه الحركة مواجهات عسكرية معقدة في الفاشر، وتواجه ضغوطاً من مختلف الأطراف، متسائلين: “كيف نُرسل جنودنا لخوض معارك دون أن نُستشار أو نُعطى فرصة لوضع الخطط، معتبرين أن القرار محل الخلاف وسط القيادات العسكرية فُرض من الأعلى بطريقة فوقية، مما أضر بروح الانضباط والثقة بين القيادات”.

مني أركو مناوي، لم يُبدِ أي تعليق رسمي بشأن الخلاف الذي بينه وبين القائد العام جمعة حقار والقائد فيصل صالح

وذكرت مصادر عسكرية بالحركة معلومات مفادها أن الفريق جمعة حقار، الذي يشغل منصب القائد العام للجيش، يُعرف بمواقفه الحاسمة وقدرته على إدارة الملفات العسكرية المعقدة، وهو من القادة الذين لعبوا دوراً محورياً في تنظيم القوات وإعادة تأهيلها خلال السنوات الماضية، مما أكسبه احتراماً واسعاً في الأوساط العسكرية والسياسية على حد سواء.. لذلك، فإن مواجهته الحالية لمناوي تمثل تحدياً غير مسبوق له، إذ توجه إليه اتهامات ضمنية من بعض قيادات الحركة، ولا سيما المنسوبين لعشيرة مناوي أو أبناء عمومته، والضباط والسياسيين من أولاد “ديقيين”، بأنه تلقى أموالاً من دولة الإمارات لتحييده هو وقائد أركان الحركة، اللواء فيصل صالح، لمنع مواجهة قوات الدعم السريع، مشيرين إلى أن رفض القائد، حقار للقرار يأتي في إطار التنسيق والتشاور، حرصاً على وحدة صف قوات الحركة وتماسكها تجاه القضية التي قدمت لأجلها الآلاف من الشهداء.

وبحسب متابعين لمسارات الخلافات التي تدور وسط قيادة حركة تحرير السودان، حتى الآن لم يُبدِ رئيس الحركة، مني أركو مناوي، أي تعليق رسمي بشأن الخلاف الذي بينه وبين القائد العام جمعة حقار والقائد فيصل صالح، مكتفياً بتوجيه المكتب السياسي والإعلامي للحركة لدعم موقفه بأن فكه للحياد وخوضه للحرب بجانب الجيش “ضرورة وطنية تهدف لحماية المدنيين في إقليم دارفور تصدياً لتهديدات قوات الدعم السريع” من دون أن يشير مناوي إلي اعتراضات القيادات العسكرية والسياسية للحركة بشئ.

يخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الخلافات إلى انقسام وشقاق واسع داخل مؤسسات الحركة

وفي ذات المنحى قالت مصادر مقربة من رئاسة الحركة إن مناوي يرى في قراره تجسيداً لمسؤولياته السياسية، مبرراً أن المرحلة لا تحتمل التباطؤ أو النقاشات المطولة، التي تزيد من الفجوة وتعمق الخلافات بينه وبين القيادة العسكرية والسياسية.

ومن خلال السياج المضروب علي خلافات قيادة حركة تحرير السودان العسكرية والسياسية، يخشى مراقبون من أن يؤدي استمرارها إلى انقسام وشقاق واسع داخل مؤسسات الحركة، خصوصاً إذا ما قرر القائد العام، الفريق جمعة حقار، وقيادات أخرى إعلان مواقفهم علانية تجاه رئيس الحركة، أو تعليق مهامهم إلى حين إعادة ترتيب آليات اتخاذ القرار داخل المؤسسة.. وهو ما بدأت تظهر مؤشراته في وقت سابق، حيث تحدثت مصادر عن مشاورات داخلية تهدف إلى تصحيح مسار الحركة، أو الدعوة إلى مؤتمر عاجل لبحث الأزمة، أو تشكيل لجنة مجلس عسكري أعلى لإزاحة مناوي وإعادة صياغة المكتب العسكري والسياسي، لكن الأمر تأجل بسبب تطاول أمد حصار الفاشر والخسارات العسكرية التي لحقت بالحركة في الوقت الحالي.

مراقبون: الخلاف في الرأي طبيعي، لكن حين يتحول إلى صراع علني، فإنه يهدد وحدة الحركة، ويفتح الباب واسعاً أمام انشقاق آخر

فيما يرى خبراء عسكريون أن تزايد الضغوط الميدانية يُعقد الأوضاع السياسية بالحركة، معتبرين أن استمرار الصراع يفقدها موقعها الاستراتيجي، ويضعف قدرتها على التفاوض، سواء مع القوى السياسية أو الأطراف المتنازعة، مشيرين إلى أن أي انقسام عسكري قد تكون له تداعيات وخيمة على الأرض، في وقت تتصاعد فيه التحذيرات من توسع رقعة النزاع المسلح.

وبحكم الصمت المطبق تجاه معطيات الخلاف بين قيادات حركة وجيش تحرير السودان العسكرية والسياسية، تظل الدعوات مستمرة من قبل بعض قيادات الحركة إلى ضرورة احتواء الأزمة من خلال حوار صريح ومسؤول بين القيادة العسكرية والسياسية ومناوي، لعودة الاعتبار للمؤسسية وفق النظام الأساسي للحركة التي تؤسس لانسجام بين القيادة السياسية والعسكرية .. وبالنسبة للبعض ان الخلاف في الرأي طبيعي، لكن حين يتحول إلى صراع علني، فإنه يهدد وحدة الحركة، ويفتح الباب واسعاً أمام انشقاق آخر، يُضاف إلى قائمة مسميات الحركة التي انقسمت منها عدة حركات تحمل لافتة “حركة تحرير السودان”.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.