الإخوان المسلمون وتزييف الوعي الجمعي: مقاربة نقدية لتجارب من فلسطين، السودان، ومصر

بقلم عباس احمد السخي

منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، تموضعت هذه الحركة في الوجدان السياسي العربي والإسلامي بوصفها مشروعاً إسلامياً يسعى إلى “إقامة الدولة المسلمة” واستعادة “الخلافة”، لكنها عملياً — عبر قرن تقريباً من النشاط — لعبت دوراً مزدوجاً: فهي من جهة قدمت خطاباً أخلاقياً ودينياً شعبوياً استدرج ملايين البسطاء، لكنها من جهة أخرى أعاقت إمكانات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي في كثير من الدول التي نشطت فيها، عبر تكريس مفاهيم مغلقة للهوية والدين والسلطة.
*أولاً: تزييف الوعي كأداة استراتيجية*
الإخوان لم يتعاملوا مع الدين باعتباره مصدر إلهام روحي وأخلاقي، بل حولوه إلى أداة تعبئة سياسية ووسيلة للهيمنة الأيديولوجية. فقد ركز خطابهم على ثنائيات قطبية: “الإسلام vs الكفر”، “الحكم بما أنزل الله vs الطاغوت”، “جماعتنا vs الآخرين”. هذه الثنائية قوضت إمكانية بناء وعي نقدي يعترف بالتعدد والتنوع، وبدلاً من ذلك، أسسوا لوعي زائف قائم على الطاعة، والولاء للجماعة، والتشكيك في الآخر، حتى داخل الأمة ذاتها.
هذا التزييف لم يكن بريئاً. ففي مصر، برز دور الجماعة في تحييد الطبقة الوسطى والطلائع المثقفة عن قضايا العدالة الاجتماعية والتنمية، وتحويل الصراع من كونه اجتماعياً/اقتصادياً إلى صراع هوياتي/ديني. وفي فلسطين، ساهمت حماس — كامتداد فكري للإخوان — في تحويل النضال الوطني إلى مشروع ديني مغلق، مما أضعف وحدة الصف الفلسطيني، ومزق القضية إلى مشروعين متوازيين: وطني وعابر للأوطان. وفي السودان، كانت تجربة “الإنقاذ” (1989–2019) أوضح تجسيد لكيفية استغلال الدين في تمكين طبقة طفيلية حكمت باسم الشريعة، بينما مارست أقصى درجات الفساد والانحطاط الاقتصادي.
*ثانياً: عرقلة التطور الاجتماعي والاقتصادي*
مشروع الإخوان لا يحمل برنامجاً اقتصادياً عقلانياً، ولا رؤية واضحة للتنمية المستدامة. في كل مرة وصلوا فيها إلى السلطة، اتضح أن أولويتهم ليست بناء مؤسسات دولة حديثة، بل أسلمة الدولة وفقاً لفهمهم الخاص من اجل سرقتها، حتى لو أدى ذلك إلى تفكيك الدولة ذاتها كما هو الحال في السودان. في مصر بعد 2012، ظهر العجز الفادح لدى الجماعة في إدارة الاقتصاد، واستبدالهم المؤسسات بالكفاءات الإدارية بأطر تنظيمية تدين بالولاء لا بالكفاءة. وفي السودان، تم تفكيك الخدمة المدنية لصالح “التمكين”، وتحويل الدولة إلى أداة جباية لصالح جهاز الجماعة. والنتيجة في كلا الحالتين: فساد، ضعف إنتاجية، وانهيار شبه كامل للبنى التحتية.
*ثالثاً: فلسطين، السودان، مصر: نماذج متباينة، وجذر واحد*
في فلسطين، كانت حماس جزءاً من مقاومة الاحتلال، لكنها رهنت النضال الفلسطيني لحسابات إقليمية (تركيا، إيران)، وبدلاً من توحيد الصف الفلسطيني، دخلت في اقتتال داخلي عام 2007، مما أضعف القضية الفلسطينية لصالح الاحتلال.
في السودان، استولى الإخوان على الدولة عبر انقلاب عسكري، وظلوا اكثر من ثلاثين عاماً يمارسون خطاباً دينياً غوغائياً لم يمنع الحروب الأهلية، ولا الفقر، ولا الانفصال، بل فاقمها جميعاً، وانتهوا بثورة شعبية أطاحت بهم. وعندما فشلوا في استعادة السلطة اشعلوا حرب عجزوا في النهاية في اخماد أوراها.
في مصر، تحالفوا مع العسكر حيناً (في خمسينيات القرن الماضي)، ودخلوا في صراع دامٍ لاحقاً، وعندما وصلوا إلى السلطة في 2012 فشلوا في بناء عقد اجتماعي جامع، وسقطوا بعد عام في ثورة شعبية أعادت العسكر إلى الحكم لان الشعب المصري استفادة تجربة السودان المريرة معهم.
*خاتمة*
الإخوان المسلمون ليسوا مجرد جماعة سياسية، بل مشروع أيديولوجي يسعى لاختطاف الدين لصالح أجندة فساد سلطوية. وهم لا يمثلون الإسلام كما يدّعون، بل يُعيدون إنتاجه وفقاً لتأويلات تخدم طموحاتهم السياسية. وخطرهم لا يكمن فقط في ما يفعلونه حين يحكمون، بل في الطريقة التي يشوّهون بها وعي الجماهير، ويحرفون بوصلتها عن قضاياها الحقيقية، من تعليم وصحة وتنمية، إلى شعارات هوياتية غوغائية فارغة. لذا، فإن نقد مشروعهم ضرورة فكرية، لحماية الدين من التوظيف السياسي، ولإنقاذ مجتمعاتنا من وهم الخلاص على يد الجماعة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.