في تطور عسكري لافت يعكس حجم التنافس السياسي والعسكري المحموم خلف كواليس الجيش والقوات المشتركة، كشفت تسريبات، من مصادر متعددة في حركات جيش تحرير السودان؛ بقيادة مني أركو مناوي تحدثت لصحيفة “عين الحقيقة” بأن ثمة خطة ممنهجة وضعتها استخبارات الجيش تُدار في الظل لتفكيك النفوذ السياسي والعسكري لقائد الحركة “مناوي” عبر خطط سياسية وصفقات عسكرية متعددة الأبعاد تُنسق بين عناصر من استخبارات الجيش، وقيادات سياسية، عسكرية، وجهات قبلية، وعشائرية محسوبين لقائد الحركة من حيث البعد الاجتماعي والسياسي.
اللواء دبجو تربطه صلات قبلية مع مني أركو مناوي، لكنه يتعامل معه على مضض بوصفه أحد القيادات التاريخية للحركة قبيل انعقاد مؤتمر حسكنيتة..
وبغض الطرف عما تحدث عنه الناشط السياسي مجاهد بشري حول نسج عملية استخباراتية لتفكيك نفوذ قائد حركة جيش تحرير السودان مني أركو مناوي، غير أن إشارات بشري الواضحة للواء بخيت عبدالله عبدالكريم “بخيت دبجو، القائد الميداني الشرس والعضو المؤسس للحركة، علاوة على اللواء فصيل صالح معلي، قائد أركان حركة جيش تحرير السودان الحالي، قد يضفي شيئاً من الفضول للمراقبين حول المخطط الفعلي الذي ينوي صنعه استخبارات الجيش بصورة جادة لتنفيذ خطة تشليع شاملة تستهدف مناوي وحركته، تكراراً لنمطه التاريخي الموسوم بالتصفيات السياسية والعسكرية الهادئة للحركات المسلحة.
غير أن المعطيات التي حصلت عليها صحيفة “عين الحقيقة، تُفيد بأن اللواء بخيت دبجو، أو كما يسميه البعض من رفاقه بـ”بخيت كريمة، القائد الميداني الشرس، الذي يقود أحد الفصائل المنشقة من حركة العدل والمساواة السودانية الموقعة على اتفاقية الدوحة في عام 2011، والذي أصبح بموجبه ضابطاً رسمياً بالجيش السوداني على خلفية ترتيبات أمنية جرت في عام 2012، وهو يطمح إلى ترقيته لرتبة الفريق، مثلما تم ترقية اللواء جابر حسب الله، المحسوب لحركة جيش تحرير السودان، إلى رتبة الفريق قبيل عامين مضت… اللواء دبجو تربطه صلات قبلية مع مني أركو مناوي، لكنه يتعامل معه على مضض بوصفه أحد القيادات التاريخية للحركة قبيل انعقاد مؤتمر حسكنيتة، الذي انشقت على إثره حركة تحرير السودان إلى فصيلين، ثم لاحقاً إلى عدد من الفصائل.
مصادر ميدانية إن اللواء بخيث دبجو عمل في وقت سابق كوسيط لإصلاح العلاقات بين مناوي وبعض قيادات الجيش المقربين منه..
وبالعودة إلى اللواء دبجو، الذي لا زال مؤثراً وسط الحركات المسلحة من خلال سجله التاريخي في حركة جيش تحرير السودان، وبحكم علاقاته العشائرية، والاجتماعية، والعسكرية مع قيادات بارزة في حركتي جيش تحرير السودان والعدل والمساواة السودانية، لعب دوراً بارزاً في عملية ترتيب مشاركة الحركات المسلحة في خوض حرب أبريل إلى جانب الجيش، لكنه بالمقابل يرفض تمدد نفوذ غريمه مناوي في القيادة المركزية للقوات المشتركة، الذي أصبح يطمح في ورثته سياسياً واجتماعياً، مستغلاً تأثيره ونفوذه العشائري والاجتماعي داخل القوات المشتركة.
إلى ذلك، تقول مصادر ميدانية إن اللواء بخيث دبجو عمل في وقت سابق كوسيط لإصلاح العلاقات بين مناوي وبعض قيادات الجيش المقربين منه، لكن سرعان ما تحول دوره من نقطة انطلاق عسكري لصالح الجيش، إلى نقطة تفكيك تهدف إلى تشليع حركة مناوي من الداخل، مشيرين إلى أن دبجو يحتفظ بعلاقات وثيقة مع شخصيات نافذة في الجيش، أبرزهم الفريق ياسر العطا، واللواء صبير، ما يُعتقد أنه تلقى دعماً مباشراً من دوائر داخل استخبارات الجيش لعزل قيادات بارزة عسكرية من حركة جيش تحرير السودان، لا سيما من المقربين لمناوي، من بينهم الفريق جابر إسحاق أمبدي، نائب العام للحركة.
وفي الواقع، أفادت مصادر عسكرية من حركة جيش تحرير السودان أن ثمة خلافات سياسية وعسكرية مسكوت عنها وسط قيادات الحركة، تمكنت الاستخبارات من إشعال فتيلها، متسللين عبر العلاقات التاريخية والاجتماعية للواء دبجو، ليلعب في المرحلة الأولى دور المصلح لخلافات مناوي وقياداته العسكرية، مستدركين: حتى بات يُنظر إليه وسط قيادات الجيش كمُنقذ سياسي واجتماعي، قادر على توظيف البنية العشائرية للحركات لتحقيق أهداف قيادات الجيش العميقة.
قيادات ميدانية وسياسية من حركة جيش تحرير السودان تحدثت لـ”عين الحقيقة، ترى أن قيادة الجيش باتت ترى في مناوي القائد الذي تجاوز الإطار المرسوم له..
وطبقاً لقيادات ميدانية وسياسية من حركة جيش تحرير السودان تحدثت لـ”عين الحقيقة، أن قيادة الجيش باتت ترى في مناوي القائد الذي تجاوز الإطار المرسوم له، مستطردين: على الرغم من شغله لمنصب حاكم إقليم دارفور، وتولي حركته حقيبة وزارة المعادن، إلا أن طموحه السياسي والعسكري متزايد، مع احتفاظه بولاء قادة ميدانيين، أصبح مصدر قلق للقيادة المركزية للجيش.
ولفتت القيادات الميدانية إلى أن الجيش يستخدم مناوي كورقة توت الآن، لكن لا يثق به على المدى الطويل، منوهين إلى أن الأمر يُفسر ما جاء في التسريبات عن وجود خطة بديلة، تهدف إلى السيطرة على قيادات عسكرية بارزة داخل حركته، وتفكيك القيادة الفعلية لها، عبر خلق بنى موازية.
وبدورها، تُظهر خريطة التسريبات بأن قائد محور الجزيرة، اللواء محمد عمدة حسن تقل (الملقب بتقلات)، وهو أحد أبرز مراكز النفوذ العسكري لمناوي، أصبح تحت كفالة الفريق أول شمس الدين كباشي بشكل مباشر دون علم مناوي.
وحول علاقة اللواء تقلات بالفريق أول شمس الدين كباشي، أكدت مصادر في حركة مناوي بأن الكباشي استطاع استمالة تقلات إلى جانبه، وما يؤكد ذلك ظهوره اللافت بالقرب منه في اجتماعه مع قيادات الجيش في محور كردفان في الأسابيع الماضية.
وتابعت المصادر أن الكباشي دفع للواء تقلات مبلغ (15) مليون جنيه سوداني، عبارة عن تكاليف علاجه في القاهرة، دون علم قائده مناوي، الذي بدوره سأل مقربين من تقلات عن تدابير سفره مستشفياً للقاهرة، دون أن يطلب منه شيئاً، لكنه علم من أحد المقربين منه بأن الفريق كباشي هو من قام بتكاليف علاجه، وهو ما شكل صدمة كبيرة لمناوي، الذي تعود على إحكام قبضته على قيادات حركته العسكرية والسياسية.
وأوضحت المصادر العسكرية، خارطة الاستخبارات بشأن مناوي تتضمن عدداً من آليات التفكيك، من بينهم آلية سرية يتولى أمرها اللواء فيصل صالح معلي، قائد أركان الحركة، حول استقطاب ضباط من صفوف الحركة، شريطة أن يكونوا موالين للجيش، لتلقي دورات قيادية داخل وخارج السودان، في مسعى لصناعة قيادة بديلة هادئة لا تُثير الشكوك.
محلل سياسي لـ”عين الحقيقة”: ما يجري هو تكتيك تفكيك تدريجي لتصنيع قيادات عسكرية موالية للجيش من داخل الحركة، تتمكن من سحب البساط من تحت مناوي دون ضجيج إعلامي.
وبحسب محلل سياسي تحدث لـ”عين الحقيقة، فضل عدم كشف هويته، فإن ما يجري هو تكتيك تفكيك تدريجي لتصنيع قيادات عسكرية موالية للجيش من داخل الحركة، تتمكن من سحب البساط من تحت مناوي دون ضجيج إعلامي.
وأضاف المحلل السياسي بأن المثير للانتباه هو ما ورد في التسريبات من طرح سؤال مباشر من قيادات عسكرية بارزة في الحركة: “أين ذهبت أموال الحرب؟”، على الرغم من أن المعلومات تشير إلى عمليات تحويل وتمويل سري، تمت بعيداً عن أعين المراقبين للحركة، ما يفتح الباب لتساؤلات أخرى حول استخدام المال السياسي في شراء الولاءات داخل الحركات المسلحة، لا سيما حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي.
وأبان المحلل السياسي أن استخبارات الجيش ليست الوحيدة في هذا المضمار، إذ أظهرت التسريبات أن تحالف “تأسيس” يعمل في مسار موازٍ لاستقطاب قيادات سياسية بارزة من حركة مناوي، إمعاناً في إضعاف نفوذ مناوي، والحط من تأثيره السياسي، قبيل وصول الأطراف المتصارعة إلى عملية سياسية تفضي إلى اتفاق سلام حقيقي.
ووفقاً للمحلل، فإن ما نشهده في الوقت هو سباق محموم بين الجيش وتحالف تأسيس على تقويض مراكز نفوذ مناوي، وحرمانه من أي عمق قيادي حقيقي يمكنه من الصمود سياسياً أو عسكرياً.
تُجمع كل الخيوط على حقيقة واحدة: مني أركو مناوي أصبح محاصراً من جهات متعددة، أبرزهم الجيش، الذي يسعى إلى تفكيك حركته من الداخل عبر بنى موازية، ومن الجهة الأخرى، يسعى تحالف تأسيس بكل ما أوتي من قوة…هذه التحركات ليست عشوائية أو معزولة، بل تحمل طابعاً تكتيكياً دقيقاً، تشارك فيه أدوات متعددة: وساطة عشائرية، مناصب دستورية، إغراءات مالية، استقطابات سياسية، عسكرية، علاوة على حملات تمويه إعلامي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.