علمانية الدولة وقومية الحكومة من منظور الميثاق والدستور الانتقالي التأسيسيين (١———٢)
د.موسى الأمين حمودة
القيادي بتحالف تأسيس عن الفئات النوعية…
وصف كثير من المحللين وكتاب الرأي والمتابعين لتطورات وتعقيدات المشهد السوداني عبر كل حروبه السابقة والحالية، ان هناك ثمة مشكلة جوهرية تشكل منبع هذه الحروب والاقتتال وهي تتعلق بهوية الدولة وممارسة الحكم والسلطة وفي سبيل ذلك جرب السودان العديد من التعقيدات والكوارث وآخرها حكم ديكتاتوري باطش قامت به الجبهة الاسلاموية عبر ثورة انقلابية سُميت بالانقاذ ، أصلت للايدلوجيا المتطرفة في الحكم ومكنت جماعة الاسلاميين من السيطرة على مفاصل الدولة والسلطة لنحو ثلاثين عام ، شهد فيها السودان استقطاب حاد في السياسة والحكم والدين، فتم توزيع السلطة والثروة على غرائز التمكين والولاء الحزبي التابع لجماعة المؤتمر الوطني والحركة الاسلاموية.
والمتابع لطبيعة تطاول أمد الحروب بالتركيز على حرب الجنوب ولاحقا النيل الازرق ودارفور يجد ان غالب هذه النزاعات جاءت رفضاً لايدلوجيا الحركة الاسلامية وسياسة التمكين واختطاف مؤسسات الدولة وتجييرها لصالح مشروع الاسلاميين الجهادي الارهابي والذي مهد لفصل الجنوب وأشعل حروب دارفور وكردفان والنيل الازرق ولاحقًا انتهى المطاف بحرب الخامس عشر من ابريل للعام ٢٠٢٣م والذي يُعتبر قمة الصراع وذروته وذلك لانها قامت على رفض استمرار حكم الاسلاميين لصالح ثورة التحرر السودانية بالهامش التي حماها الدعم السريع وضحى فيها أشاوس الدعم السريع المهج والأرواح.
السودان وباعتباره بلد بحجم غارة متنوع دينيًا وإثنيًا وثقافيًا، إذا أردنا بناء دولة حديثة فيه ،قائمة على احترام هذا التنوع الواسع وابتغاء العدل والمساواة بين الناس في بمختلف تنوعهم الاجتماعي والثقافي، فليس أمامنا إلا تبني نظام علماني يكفل للجميع حقوقهم من دون التعدي أو اختطاف حقوق اي فئة أو قبيلة أو مجموعة سكانية سودانية كبر حجمها أم صغر .
ولقد تابع وشهد كثير من السودانيين ممارسات الاسلامويين السابقة زهاء الثلاثين عام المنصرمة وكيف انهم صوروا للناس العلمانية ومدنية الدولة على انها ضد الدين أو الهُوية وانها كفر مباح ، ولكن الحقيقة هي، أن العلمانية ليست في جوهرها ضد الدين، بل ضد توظيفه سياسيًا لأغراض الهيمنة والسلطة.
العلمانية لا تفرض على أي أحد أن يترك دينه، لكنها تمنع استخدام الدين كأداة للتمييز أو الاستبداد. وفي وطننا السودان الذي ينعم بالتعددية الدينية وممارسة الطقوس الروحية المختلفة يجب ان لا تصادر وتمنع ويسمح للإسلام فقط كدين أوحد لسائر السودانيين . وهنا العلمانية قد تكون أكثر عدالة من أنظمة الإسلام السياسي، التي تحاول فرض تفسير واحد للإسلام على الجميع، حتى داخل المجتمع المسلم نفسه.
ولابد لنا من محاصرة الفكر الاسلاموي المتطرف الذي تمارسة عصابة الاسلام السياسي من تغبيش وتحنيط عقول الناس حول العلمانية كمنهج حكم ضد الاسلام والتدين ولكن واجبنا ان نفهِّم الناس ان العلمانية تحمي حق الاعتقاد للجميع، فهي لا تفرض دينًا على أحد، ولا تمنع أحدًا من ممارسة شعائره، لكنها تفصل بين الدين والدولة ومؤسساتها لضمان عدم استغلال العقيدة لتحقيق مكاسب سياسية أو قمع الحريات.
ولعل ما يميز الميثاق السياسي التأسيسي انه نص بشكل صريح لا لبس فيه على مسألة العلمانية من دون لجلجة أو لف ودوران كما جاء في المباديء العامة بالباب الاول ، المادة (٣ )والتي تقرأ ” تأسيس وبناء دولة علمانية وديمقراطية لا مركزية، قائمة على الحرية والعدالة والمساواة، غير منحازة لإي هوية ثقافية أو عرقية أو دينية أو جهوية ، وتعترف بالتنوع وتعبّر عن جميع مكوناتها على قدم المساواة”. وقد عضد هذا التوجه نص آخر في المادة (٩) من ذات الباب اذ تؤكد” ترتكز الهوية السودانوية على حقائق التنوع التأريخي والمعاصر للدولة السودانية في ظل سودان جديد يقوم على أسس الحرية والعدالة والمساواة ، ويكون التنوع مصدر للثراء الثقافي والاجتماعي، ورابطة تؤسس للتعايش السلمي ، واقوم هذه الرابطة الإجتماعية ( الوحدة في تنوع) على الإختيار الطوعي والارادة الحرة لكافة شعوب السودان”.
يتبع …
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.