يُكثف كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، مسعد بولس، تحركاته المكوكية منذ الأشهر الماضية لإنجاح هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تهدف إلى التخفيف من وطأة الحرب التي دمرت البلاد، وشردت الملايين، وقُتل على إثرها الآلاف من السودانيين، فيما نزح ولجأ الملايين إلى المخيمات في دول الجوار. ووسط هذه المعاناة والمآسي، تتصاعد أصوات الرفض والممانعة لوقف الحرب من قبل الإسلاميين والقوات المشتركة الذين اتخذوا من استمرارها مطية لتحقيق أهدافهم في السلطة والثروة، بعيدًا عن معاناة الشعب السوداني.
رغم الجهود المبذولة من قبل الآلية الدولية، ولا سيما تحركات مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس، تظل المساعي الدولية نحو هدنة إنسانية محفوفة بالمخاطر من قبل الإسلاميين..
ومنذ الشهر الماضي ومطلع هذا الشهر، بدأت إرهاصات الهدنة تلوح في الأفق من خلال تفاوض غير مباشر جمع طرفي الحرب «الجيش -الدعم السريع» في واشنطن، بوساطة من الرباعية الدولية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر.
وبرغم الجهود المبذولة من قبل الآلية الدولية، ولا سيما تحركات مستشار الرئيس الأمريكي مسعد بولس، تظل المساعي الدولية نحو هدنة إنسانية محفوفة بالمخاطر من قبل الإسلاميين، بحكم نفوذهم في الجيش وامتلاكهم المفاتيح السياسية والاقتصادية التي تؤثر على معادلات استمرار الحرب، بينما يساندهم عدد من الميليشيات، من بينهم كتائب البراء وقوات درع السودان، إلى جانب القوات المشتركة التي تنتمي إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
وفيما تمضي الأطراف الرافضة لإيقاف الحرب في صراعٍ خفي مع قيادات الجيش، خصوصًا القائد العام الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، تحشد الحركة الإسلامية كل طاقاتها العسكرية والإعلامية لإفشال الهدنة الإنسانية المدعومة من الرباعية الدولية، مقابل قيادةٍ عسكرية غارقة في براثن الحركة الإسلامية، ليست بمقدورها اتخاذ قرار عسكري شجاعٍ ينقذ الشعب السوداني من جحيم حرب 15 أبريل 2023.
ولتذليل العقبات السياسية والعسكرية التي نتجت عن استمرار الحرب في البلاد، يقول المحلل السياسي د. عبدالكريم الضي أن أحد الشروط الأساسية التي وضعها الجيش السوداني قبل الدخول في أي مفاوضات لوقف إطلاق النار هو سرية العملية التفاوضية، وذلك خشية تأثرها بضغوط ما يُعرف بوبيات السلاح وحلفاء القوات المسلحة من الجماعات القتالية.
وأوضح عبدالكريم أن أبرز تلك الجماعات تشمل القوات المشتركة من الحركات المسلحة الدارفورية، إلى جانب جماعات الإسلام السياسي مثل كتائب البراء، بالإضافة إلى تشكيلات أقل تأثيراً مثل لواء درع السودان وكتائب من شرق البلاد.
مراقب: الجيش يتخوف من تأثير هذه الجماعات في مرحلة ما قبل التوصل إلى اتفاق، باعتبارها قد تمارس ضغوطاً أو تُحدث توترات ميدانية محدودة يمكن أن تعرقل مسار التفاوض
وأشار المحلل إلى أن الجيش يتخوف من تأثير هذه الجماعات في مرحلة ما قبل التوصل إلى اتفاق، باعتبارها قد تمارس ضغوطاً أو تُحدث توترات ميدانية محدودة يمكن أن تعرقل مسار التفاوض، إلا أنه يرى أن هذه الجماعات لن تكون ذات تأثير بعد التوصل إلى اتفاق فعلي بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكونهما يمثلان أقوى التشكيلات المسلحة في البلاد، وأي اتفاق بينهما سيُضعف موقف المجموعات الأخرى ويُسكتها سياسياً وعسكرياً.
وأضاف الضي أن هذه الجماعات، التي وصفها بأنها تفتقر إلى وحدة الهدف والمنهج، لا تبحث سوى عن المكاسب المالية والمناصب، وقد تتورط في أعمال فوضى أو اشتباكات محدودة تنتهي سريعاً. ومن جهته، يري مراقبون، أن التحالف القائم بين الإسلاميين والقوات المشتركة تحالف هش كالسحابة، إذ لا توجد روابط فكرية أو تنظيمية متينة تجمع الطرفين.
وفي السياق ذاته، يقول كاتب صحفي فضل حجب اسمه، إن الجماعات الإسلامية مرتبطة بمحاور خارجية وأهداف أيديولوجية واضحة، بينما تقاتل المجموعات المشتركة لأجل المال والمناصب، وقد سبق لها أن قاتلت في جنوب السودان وتشاد وليبيا وفقاً للجهة التي تدفع أكثر، مشيرًا إلي أن جماعات الإسلام السياسي لا تثق في القوات المشتركة، كون الأخيرة يمكن أن تغير ولاءها في أي لحظة لصالح المحور الذي يملك المال والنفوذ الأكبر.
وبين تعنت تيارات الاسلاميين داخل الجيش والقوات المشتركة وغياب الإرادة السياسية، تظل معاناة السودانيين تتفاقم يومًا بعد يوم، فيما تتبدد فرص السلام وسط دوامة من الدم والدمار. فالهدنة، التي كان يُفترض أن تكون طوق نجاة مؤقتًا، باتت رهينة لحسابات الحرب، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى بارقة أمل تعيد للإنسان السوداني حقه في الحياة والكرامة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.