الاستــــنفار وثــــمن الـــكرامــة.. مــن أنــقرة إلى الخرطــوم: خيــوط التمــويل الخــفي لحـــرب الاســـتنفار

أ/سلــيم مــحمــد عبداللــه

حــين انقــشع غبــار الشــعارات، وانكــسر ضوء الوهــم على صخرة الواقع، بان وجه الحقيقة عاريأ إنها حرب الاستنفار… ودولــة الدمار
تتدثّر بعباءة الدين والوطن، وتخفي تحتها مشروعأ عتيقأ وضميرًا ميتًا وذاكرةً مثقلة بالدماء هي الحرب التي أرادها بعضهم “”جـــهادًا””وجعلها الواقع سوقًا للموت تُباع فيه أوهام الكرامـة على حساب الأبـريــاء

ســرديات الوهــم فــي زمــن الاســـتنفار

من أنقرة البعيدة إلى الخرطوم الجريحة، تمتد خيوط دقيقة لا يراها البسطاء، لكنها تحرّك المشهد كله
تمويلات تُدار من وراء الستار، وشبكات تُنسج باسم “”الــدعــم”” و””الـــولاء””، بينما في الميدان يسقط شباب السودان أبناء القرى، والرعاة، والمزارعين في معارك لا تخصهم، ولا تشبه أحلامهم.

في المقابل، يعيش أبناء النافذين والرموز القديمة في رغدٍ ورفاهٍ، يتجوّلون بين إسطنبول وكوالالمبور، ويتابعون أخبار الحرب من شاشاتٍ مضاءة، بينما أبناء الهامش يقاتلون نيابة عنهم تحت لهيب الشمس وهدير الرصاص وتهديـدات الأسـر
إنها المفارقة السودانية المؤلمة: الذين أشعلوا الحرب يقيمون في الفنادق، والذين لا يملكون قوت يومهم يُستنفَرون إلى الجبهات.

مــن الكرامــة إلى المــتاجرة بالــدمـــاء الأبــريــاء

كم تغيّر معنى الكرامة في خطاب الإسلاميين!
كانت يومأ نداء للحرية، فأضحت اليوم غطاءً للمصالح ومظلةً لنهب الوطن.
أولئك الذين صدّروا للشعب شعارات “التمـــكين” و””الــربــــاط”””عادوا اليوم بنفس اللغة ولكن بثوبٍ أشد قسوة، يبيعون للشباب حكاية الجهاد، ويشترون بها صمت الفقر وخضوع الحاجة.

يصرخون في المنابر: قوموا إلى صلاتكم،
لكنهم يقصدون: قوموا إلى حمايتنا
يُلبسون الاستنفار لباس القداسة، ليُخفي ما تحته من فسادٍ ودمار وتجارة بالعقيدة

ثلاثـــون عامأ مــن الإنهــاك ومصــير المــال الــغائب

منــذ ثلاثــة عقـــود، تكــدّست أموال الدفاع والأمن في خزائن لا يعرف الشعب عنها سوى الشعارات.
أموالٌ جُمعت باسم حماية الوطن، فاختفت في دهاليز التنظيمات الإرهابيــة وتحولت إلى عقاراتٍ خارج البلاد واستثماراتٍ في بنوكٍ أجنبية
واليوم يُساق الفقراء إلى الحرب، كأنما عليهم أن يدفعوا ضريبة السرقة مرتين: مرة حين سُرقت أموالهم، ومرة حين يُستنفَرون ليموتوا دون سبب.

فأين أبناء المسؤولين من هذه الحرب؟
أين أولئك الذين جمعوا المال العام باسم الدين؟
أين هم حين يُستدعى أبناء الوطن للدفاع عن “وطنٍ” لم يُتح لهم أن يكونوا جزءًا من خيراته؟

الـــوعـــي المـــخدوع والمـــعركة الزائفــــة

لقد نجح صُنّاع الحرب في تحويل الجهل إلى وقودٍ دائم.
فباسم العقيدة، تُغسل الأدمغة.
وباسم الشرف، تُستباح الكرامة.
وباسم الوطن، يُستنزف الشباب في معركةٍ لا يعلمون من يمولها ولا من سيحصد ثمارها.

الإعلام الموجَّه يروّج لبطولاتٍ مصطنعة،
ومقاطع الفيديو تُستخدم كأداة تعبئةٍ عاطفية،
فيما يتم تغييب الحقيقة عن وعي الناس.
الحرب ليست لحماية العقيدة، بل لحماية مصالح سياسية ضيقة أرادت أن تلبس ثوب القداسة لتخفي سوءتها

جيــش الدولــة…..أم جيــش التنظــيم الإرهابــي؟

لقد أرادوا أن يجعلوا من السودان ثكنةً حزبية لا وطنًا.
مؤسسةٌ عسكرية أُنهكت بالتسييس، وفُككت بالولاءات الضيقة حتى صارت كأنها أداةٌ في يد التنظيم لا في يد الوطن.
بينما تُرفع رايات “”الـــدفـــاع عن السيـــادة””” تُنتهك السيادة نفسها بتدخلات خارجية وتمويلاتٍ مشبوهةٍ تمرّ عبر عواصم لا يعنيها استقرار السودان بقدر ما يعنيها استمرار الصراع

صـــوت الشـــباب صرخـــة الوعـــي الأخيـــرة

أيها الشباب السوداني، لمن تحاربون؟
أمن أجل الإسلاميين الذين أكلوا خيراتكم وأطفأوا نور مستقبلكم؟
أم من أجل وطنٍ يريدون أن يُعيدوه إلى عبودية الشعارات القديمة؟

اعلموا أن الوطن لا يُبنى بالاستنفار، بل بالاستنارة
ولا يُحمى بالبندقية المسلوبة من يد الفقير، بل بالعقل الحر الذي يرفض أن يكون وقودًا لحربٍ غريبة

حـــين تنـــطفـــئ الأقنـــــعة

من أنقرة إلى الخرطوم، تتساقط الأقنعة تباعًا.
ويظهر خلفها وجه الحرب الحـقيـــقي: مشروعٌ سياسيٌّ يختبئ في ثياب الجهاد.
فلا جنة تنتظر المقاتلين، ولا كرامة تتحقق بالدماء التي تُراق عبثًا

لقــد آن للســودان أن يقــول كلمــته الأخيـــرة:::
لن تُحمى الكرامة بالاستنفار،
بل تُصان بالعدل والوعي والحرية

فالوطن لا يحتاج إلى مزيدٍ من الخطابات… بل إلى ضميرٍ وطنيٍّ لا يُشترى، وجيشٍ وطنيٍّ لا يُستنفَر، وشعبٍ يعرف أن الدم أغلى من أوهام الطغاة

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.