تقاسم السلطة والثروة في دارفور .. مكافأة لفئات وتجاهل للتضحيات
نيروبي – عين الحقيقة
إندلاع حرب دارفور في عام 2003 شكل صدمة لأهل دارفور بمختلف خلفياتهم الاجتماعية والسياسية، فكانت حرب طاحنة استمرت، لأكثر من عقدين، قبل أن تتجدد في أبريل 2023م وارتبط اندلاع هذه الحرب بجملة من العوامل والاسباب السياسية والاقتصادية العميقة، أبرزها التهميش والإقصاء الممنهج الذي مارسته النخبة الحاكمة التي سيطرت على مقاليد الحكم في السودان لعقود طويلة دون أن تسعى إلى معالجة اختلال التوازن في تقاسم السلطة والثروة، وهذا الاختلال أسفر عن تمركز النفوذ في العاصمة الخرطوم، التي تحولت إلى مركز سلطوي قمعي يمارس التهميش تجاه الجميع، إلا أن نصيب دارفور من ذلك هو الأشد.
وبالنظر للظلامات التاريخية لإقليم دارفور، نشأت قوى الكفاح المسلح في دارفور إبان عقدين مضت، لكن ثمة مياه كثيرة جرت تحت جسر الحركات المسلحة، ولا سيما توقيع ثلاث اتفاقيات سلام بشأن معالجة قضية دارفور، وكانت البداية من أبوجا في عام 2006م بين حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحكومة المؤتمر الوطني آنذاك، ثم في العاصمة القطرية الدوحة عام 2011، بين حركة التحرير والعدالة بقيادة د. التجاني سيسي أتيم، وحكومة المؤتمر الوطني كذلك، وأخيراً في جوبا، عاصمة جنوب السودان، بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح السملح مسار دارفور الخمس، على رأسها حركة تحرير السودان – مناوي، وحركة العدل والمساواة، وحركتا تجمع قوى تحرير السودان، والتجمع والتحالف السوداني بقيادة الطاهر حجر، ود. الهادي إدريس، والراحل خميس عبد الله أبكر.
وبحسب الواقع إن الاتفاقيات الموقعة آنذاك لتسوية قضية دارفور، بشأن السلطة والثروة، من بوابة الحركات المسلحة التي قاتلت لرفع التهميش والظلم عن كاهل دارفور، كما تقول، فكان نصيب أهل دارفور، من السلطة والثروة، يوزع بمحسوبية اجتماعية ومحاباة قبلية، لم تنظر لمصلحة مكونات دارفور وتضحياتهم قيد أنملة، وفي السياق: قال المستشار السياسي السابق بحركة وجيش تحرير السودان – المهندس صلاح الدين محمد البشري أبكر، إن مشروع الكفاح المسلح في دارفور انتهى منذ وقت طويل، بالأخص بعد خروج القائد مني أركو مناوي، الذي فشل – بحسب تعبيره – في قراءة الواقع السياسي وقتها والتعامل مع النظام السابق. وأضاف أن مناوي يتمتع بكاريزما وجرأة، لكنه يفتقد للقدرة على توظيفها بشكل سليم، ويعيش في حالة من التردد بين الخوف من المستقبل والتمسك بالمجهول.
وأشار البشري إلى أن حركة تحرير السودان وقّعت على اتفاقيات سلام، سواء في أبوجا أو جوبا، لكنها لم تحقق نتائج ملموسة. وتابع قائلاً إن حركة العدل والمساواة فقدت تماسكها بعد مقتل قائدها دكتور خليل إبراهيم، وأصبحت الحركتان – على حد وصفه – أقرب لتحالفات مافيوية، تعتمد على العمل العسكري والارتزاق خارج حدود الوطن وداخله، وعن مشاركة الحركات المسلحة في اتفاق جوبا بعد ثورة ديسمبر، قال البشري إن بعض القادة رفضوا الانخراط في العملية السلمية، بينما انحاز آخرون للانقلاب العسكري الذي قاده البرهان في 25 أكتوبر 2021، ثم استمروا في دعمه حتى بعد اندلاع حرب أبريل، بدعوى الدفاع عن دولة ما قبل دولة 56.
وفي رده على سؤال حول تحقيق العدالة لسكان دارفور، اعتبر البشري أن الحركات المسلحة نفسها لا تطبق العدالة داخل تنظيماتها، إذ تهيمن عليها عقلية الفرد الواحد والشللية وروابط الدم، مشيرًا إلى غياب الشفافية والتنوع، لا سيما في حركة تحرير السودان، بالأضافة الي حركة العدل والمساواة التي لا تخلو من التحيز الإثني، وعن أثر اتفاق جوبا على التنمية في دارفور، قال البشري إن الأوضاع أصبحت أكثر تعقيداً، وإن المشهد السياسي شهد تراجعاً كبيراً، حيث برز التكتل القبلي وابتعد المواطنون عن هذه الحركات التي لم تقدم لهم شيئا يُذكر، مما يُعد تكراراً لتجربة أبوجا ولكن بأسوأ صورة.
وفي المقابل أكد الباحث في فض النزاعات والسلام، هيثم محمدين آدم، أن الحركات المسلحة في دارفور لم تمثل في يوم من الأيام إجماع سكان الإقليم، لا عبر توافق قبلي، ولا عبر تفويض شعبي أو انتخاب حر، بل نشأت وتطورت كامتداد لواقع مفروض على مواطني دارفور. وأوضح محمدين أن هذه الحركات، منذ نشأتها، قامت على أسس عشائرية ضيقة، وليس على تمثيل حقيقي للثقل السكاني والسياسي للإقليم، ما أدى إلى عزلة تنظيمية ورفض متزايد من مختلف مكونات دارفور الاجتماعية، وأشار إلى أن هذه الحركات كرّست هذا الواقع من خلال تمكين مجموعاتها الإثنية في مفاصل السلطة، وفي مواقع القرار السياسي والأمني، على مدى أكثر من عشرين عامًا، دون أن تقدم أي مشروع تنموي حقيقي يخدم إنسان الإقليم.
وأضاف الباحث في فض النزاعات، هيثم محمدين، أن انفرد الحركات المسلحة بالسلطة والثروة، وادعاءها التحدث باسم دارفور، ساعد في تعميق الأزمة على أسس إثنية وقبلية، بالرغم من أن الإقليم يضم أكثر من 64 محلية إدارية، بينما لا تمثل الحركات المسلحة مجتمعة سوى ثلاث محليات فقط، بحسب ما وصفه بسعيها لـتكريس السيطرة وتحقيق أطماع خاصة. مشدداً على ضرورة بناء سلام شامل يقوم على أسس العدالة والمواطنة، لا على أسس المحاصصة القبلية المسلحة.
ويبدو واضحاً أن تلك هي الخلفية السياسية التي تمخضت عنها حركات دارفور المسلحة التي نشبت على عاتقها الحرب في دارفور في مواجهة حكومة حزب المؤتمر الوطني المباد والقوات المسلحة التي ظلت تخوض حروب داخلية متعددة لعقود.. ترى هل تسعي الحركات المسلحة لمعالجة جذور الأزمة السياسية من وحي منفستو التأسيس التي دارت الحرب بدارفور علي إثره .. أم تظل تمارس الغوغائية السياسية لتلبية مكاسب سياسية واقتصادية لدوائر إجتماعية ضيقة لا تمثل الأغلبية الصامتة في دارفور البتة..؟
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.