هل انتقلت حرب ١٥ أبريل للموجة الثانية.. قوامها التكنولوجيا والطائرات المُسيرة
تقرير -عين الحقيقة
مع دخول حرب 15 أبريل 2023 الدامية في البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع عامها الثالث، بات من الواضح أن الحرب قد تحولت إلى موجة ثانية في مرحلة تُعدّ الأكثر تعقيداً وتطوراً من الناحية العسكرية. لقد شهد الأسبوع الأخير من شهر مايو الجاري تصعيداً غير مسبوق في نوعية خوض المعارك، باستهداف المواقع الاستراتيجية، حيث استهدفت الطائرات المسيرة مطار بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للحكومة، ومستودعات الوقود بميناء المدينة، فضلاً عن مطار الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، ومطار محلية مروي بالولاية الشمالية – دنقلا، ومطار ولاية كسلا بشرق السودان.
ويصف مراقبون هذه المرحلة بالموجة الثانية” لحرب ١٥ أبريل، التي تتميز بالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا العسكرية، لا سيما الطائرات المسيرة، وأنظمة التوجيه، والتشويش، والرصد الجوي. ما يشير إلى دخول الحرب طوراً أكثر تنظيماً من الناحية الاستخباراتية والتكتيكية، مقابل انخفاض نسبي في الاشتباكات البرية أو المعارك المباشرة.
ما نشهده الآن يمثل تحولاً جوهريًا في تكتيك الحرب، مضيفاً أن الجيش والدعم السريع تحولا بشكل كبير من المواجهات العسكرية التقليدية..
ويرى خبير عسكري فضل حجب اسمه”” لصحيفة “عين الحقيقة” أن ما نشهده الآن يمثل تحولاً جوهريًا في تكتيك الحرب، مضيفاً أن الجيش والدعم السريع قد تحولا بشكل كبير من المواجهات العسكرية التقليدية إلى حرب من نوع آخر، هي الأكثر استنزافاً للبنية التحتية والمقدرات اللوجستية بين الأطراف المتصارعة بواسطة الطائرات المسيرة، والتي أصبحت تلعب دوراً حاسماً في الحرب.
وتابع قائلاً: في الواقع، إنه تطور خطير يُظهر حجم الدعم التقني الذي يحصل عليه طرفا الحرب”. لافتاً إلى أن استهداف مطار بورتسودان يبعث برسائل سياسية وأمنية في آن واحد، لأن المطار ليس مجرد منشأة مدنية، بل رمز لإدارة حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، التي تُسهم في نقل الإمداد والتموين العسكري للجيش.
خبير عسكري: التصعيد بالطائرات المسيرة في غضون هذا الأسبوع يُراد به خلخلة هيبة المركز الإداري وضرب معنويات الجيش..
مستدركاً ؛بعد أن أصبحت عاصمة ولاية البحر الأحمر، بورتسودان، مقراً لحكومة الأمر الواقع التي يمثل الجيش طرفاً رئيساً فيها، فإن التصعيد بالطائرات المسيرة في غضون هذا الأسبوع يُراد به خلخلة هيبة المركز الإداري وضرب معنويات الجيش، مضيفاً أن استهداف المسيرات بين طرفي الحرب للمواقع الاستراتيجية، يؤدي إلى شل قدرة الطرف الموجه إليه في حالة استمرار في العمليات العسكرية بهذه الوتيرة، لا سيما الضربة الأخيرة التي استهدفت مستودعات الوقود في الميناء الجنوبي بين محلية سواكن وبورتسودان، الذي يعد شرياناً حيوياً لتغذية الاقتصاد المحلي ودعم المجهود الحربي للجيش، مشيراً الي أن تعرض مطاري الأبيض ومروي، وهما من أبرز المراكز اللوجستية في وسط وشمال البلاد، قد يضعف من القدرات العسكرية، خاصة للقوات في المحورين الشمالي والشرقي.
وفي ضوء ذلك، ذكرت مصادر عسكرية أن استهداف مخازن الوقود والمطارات ليس اعتباطياً، بل يدخل ضمن استراتيجية التجويع العسكري وتعطيل خطوط الإمداد، مشيرين إلى أن هذا الفعل ينذر بصراع عسكري طويل الأمد يستنزف موارد البلاد ويزيد من معاناة المدنيين، مؤكدين أن كل طرف يحاول استباق الآخر لإرباكه لوجستياً قبل الدخول في معارك ميدانية مباشرة، معتبرين أن قوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، تُظهر قدرة تكتيكية متنامية في استخدام تكنولوجيا الحرب بفعالية جيدة، وهو ما يفرض تحديات جديدة على الجيش، الذي لا يزال يعتمد على الطيران التقليدي والرد المدفعي.
وأفادت مصادر محلية من بورتسودان لصحيفة “عين الحقيقة” بأنه، برغم تركيز ضربات المسيرات على أهداف عسكرية، إلا أن هناك هلعاً ورعباً وسط المدنيين الذين باتوا يعيشون بين نيران متقاطعة وأزمات متفاقمة في الغذاء والدواء والخدمات، وأعربت المصادر عن قلقهم الشديد إزاء تعرض المدينة لهجوم جوي، هو الأول من نوعه منذ بدء الحرب، ما ينسف حالة الاستقرار النسبي التي كانت تتمتع بها ولايتهم الآمنة في وقت ما، والتي استُخدمت من قبل الجيش بصورة بشعة كقاعدة عسكرية ضخمة للتشوين الحربي.
غياب آفاق الحل السياسي يزيد من تعقيد المشهد، باعتبار أن كل طر ف يراهن على الحسم العسكري، في ظل تراجع الجهود الإقليمية والدولية للوساطة
وقال المواطن “خ. م. ي” أحد سكان المدينة: كنا نظن أن بورتسودان ستبقى بمنأى عن الصراع، لكنها الآن لم تعد آمنة، مضيفاً أن الأخير الهجوم على المطار جعلنا نشعر أننا في قلب المعركة، ولا نعرف إلى أين يمكن أن تتجه الأمور.
وتوقعت تقارير صحفية أن طرفي الصراع باتا أمام تحول استراتيجي في مسار الحرب إلى موجة ثانية قد تكون أكثر تدميراً من الأولى، وهو ما يوضح أن الحرب تشهد استخدام أدوات حديثة مدعومة من أطراف خارجية، مع تقليص الكلفة البشرية عبر تقنيات الاستهداف عن بُعد. وهذا لا يعني أنها أقل فتكاً، بل على العكس، فإن نتائجها على البنية التحتية ستكون مدمرة للغاية.
إلى ذلك، تفيد التقارير الصحفية أن غياب أفق للحل السياسي يزيد من تعقيد المشهد، باعتبار أن كل طر ف يراهن على الحسم العسكري، في ظل تراجع الجهود الإقليمية والدولية للوساطة، مما يفتح الباب أمام تدخلات أجنبية غير معلنة.
حرب أبريل انتقلت فعلاً إلى الموجة الثانية، الأكثر تعقيداً وتكلفة.. بسبب رهان الجيش وقواته المساندة على التفوق العسكري
وعلى الرغم من التصعيد العسكري الأخير، تتجدد الدعوات لوقف فوري لإطلاق النار وتوفير ممرات إنسانية للمدنيين. إلا أن مصادر عسكرية ميدانية تشير إلى أن كلا الطرفين يستعد لمعركة أكبر، قد تشمل مناطق جديدة في شرق وشمال السودان، ما يهدد بتوسيع رقعة الصراع خارج نطاق الي الولايات الشمالية والشرقية وكردفان.
فيما يرى فاعلون سياسيون، أن البلاد تدخل فصلاً جديداً من الحرب، تغيرت فيه القواعد واللاعبون، فلا أحد يستطيع التنبؤ بالنهاية. منوهين إلى أن كل يوم يمر دون تسوية سياسية، يعمق الجراح ويزيد من احتمالات الانهيار الكامل.
ثمة تساؤلات مفتوحة حول إمكانية إيقاف الحرب أو الاستمرار في التصعيد باستهداف المواقع الاستراتيجية، مما يعني فعلياً أن حرب أبريل قد انتقلت فعلاً إلى الموجة الثانية، الأكثر تعقيداً وتكلفة. وذلك بسبب رهان الجيش وقواته المساندة على التفوق العسكري، مما يُفاقم من الكلفة الإنسانية والاقتصادية، وسط غياب مؤشرات حقيقية على قرب إيقاف المعارك و المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.