أرسل لي من أثق به كنفسي صورة ضوئية لـ(شات) من مجموعة (واتساب) خاصة بقادة من الكيزان، وقد كتب أحدهم متوجسًا خيفةً مما قد يحيق بهم في مقبل الأيام، متحسرًا على استعجالهم في الظهور إلى المشهد علنًا في هذه الحرب، الأمر الذي، بحسب قوله، يجعل الدول الداعمة للجيش وحلفائه تقف ضدهم، وتدعم جميع المليشيات المتحالفة مع الجيش عداهم هم.
القيادي الإخونجي الرفيع واصل متوجسًا ومقترحًا: “نخشى أن يكون القادم خطرًا كبيرًا علينا، ونوجّه كوادرنا السياسية والصحفية والمقاتلين إلى التركيز ومراقبة ما يجري في بورتسودان باهتمام كبير ويقظة عالية، فنحن نتوقع الغدر بنا في أي لحظة”.
ولأنهم مرعوبون، أصبحوا يحسبون كل صيحة عليهم، فعلّق الرجل الراجف من الحاضر والمستقبل، والمطارد بماضيه الدموي والفاسد، على تصريحات المليشيي أبو عاقلة كيكل الأخيرة عن قائد الدعم السريع (حميدتي)، بقوله:
“مدحه لحميدتي يسبب القلق ويدل على شيء مثير، وربما هناك تخطيط تحت الطاولة مع دول خليجية ضدنا، وتفاهمات واتفاق بين برهان مسنودًا بكيكل وقيادة الجنجويد، لذا نخشى من تطبيق (مشهد رابعة العدوية) علينا، لذلك وجب علينا الحذر وتوخي الحيطة بأن يعود جميع مقاتلينا إلى بورتسودان والاستعداد لأي طارئ”.
كل هذا التوجس، والقلق، والحيطة، والحذر، والشكوك التي تتبعها تدابير وخطط، لا تشير فقط إلى أن الكيزان هم من أشعلوا الحرب وقدحوا شرارتها الأولى – وهذا، والله، أمر يعلمه الله والناس أجمعين، إلا من كانت بصيرته عمياء، وقلبه مرآةً لغيره -، بل تدل أيضًا على فقدانهم الثقة بعبد الفتاح البرهان، شريكهم الرئيسي في الخيانة: خيانة الوطن، وخيانة الشعب الذي أجهض أحلامه، وأوقف تقدّم بلاده وهي في طريق الحرية والكرامة والرخاء. وشريكهم الرئيسي في إشعال هذه الحرب على الشعب، وما نجم عنها من موت ودمار، وأهوال وسرقات منظّمة لأموال ومقدّرات الشعب السوداني، والتفريط في سيادة البلاد إلى درجة أن سياستها الداخلية والخارجية أصبحت تُدار من مكتب صغير في مخابرات دولة مجاورة، وهي دولة ليست لديها ما تقدّمه، فقدت قوتها الصلبة والناعمة معاً وفي آن، كما فقدت مكانتها واحترامها أيضًا، إقليميًا ودوليًا، ولم يعد لديها ما تساوم به سوى “سودان البرهان والكيزان” الذي تقدّمه سلعة تقايض بها العالم لصالحها، وهي تهوي في انحدارها نحو القاع العميق!
ظنّ الكيزان أنهم باختطافهم قرار وقيادة الجيش سيتمكنون من سحق قوات الدعم السريع خلال ساعات في الحد الأدنى، أو أيام معدودات في أسوأ الاحتمالات، لكنهم رأوا ما يسرنا ولا يسرّهم، فهربوا من الخرطوم إلى بورتسودان، ظنًا منهم أنها ستكون برجًا مشيّدًا يقيهم الضربات الموجعة، لكنهم، بعد أكثر من عامين من الحرب، ها هي بورتسودان تصبح جحيمًا لا يُطاق، وصاروا – مثل البرهان- يبحثون عن مخابئ جديدة تحميهم من سيل (المسيّرات) الجارف، فشرعوا في التخوين، والتشكيك بكل خطوة يخطوها شريكهم في خيانة الوطن البرهان، وفي كل كلمة يقولها شريكهم في خيانة الشعب، الكباشي، بل وفي كل رفة عين من المليشيي أبو عاقلة كيكل.
إنه تحالف الخيانة، والخيانة كاسمها!
ماذا يريد هؤلاء المجرمون الآن؟ وهل دعوة هذا الكوز المأفون عبر الواتساب إلى أن يتجمعوا في بورتسودان تعني نيتهم تنفيذ انقلاب ضد البرهان، أو على الأقل قتله؟ – ومن يهتم إن قتلوه أو قتلهم، أو صلبوه أو صلبهم؟- خصوصًا أن توجسهم منه بلغ مبلغًا أصبح كالحالة النفسية المستحكمة. ولذلك قال ذات الشخص: “قد يكون هناك تخطيط تحت الطاولة مع دول خليجية ضدنا، وتفاهمات واتفاق بين برهان مسنودًا بكيكل وقيادة الجنجويد”.
وطالما بلغ اليأس وانعدام الثقة بهذه المنظومة الإجرامية الإرهابية هذا المبلغ، فإن البرهان وبعض قادة الجيش الآخرين، وكيكل نفسه، سيكونون في خطر داهم، ولربما يتم استهدافهم وقتلهم، أو على الأقل العمل على إرهاب قائدهم “الكبير” – أي البرهان – كمرحلة أولى، من خلال تنفيذ عملية اغتيال بحق أبو عاقلة كيكل، ونسبتها إلى الدعم السريع، والترويج الإعلامي المكثف لذلك، وبالتالي إرسال رسالة إليه من خلال هذه العملية مفادها:
(يدنا طويلة)، ويمكنها الوصول إليك أيضًا، فاذعن، وارعوي، واسمع، وأطع، وإلا فستُحمل على آلة حدباء محمول.
إن معركة كسر العظم بين البرهان والكيزان قادمة لا محالة، ومعارك أخرى كثيرة- بين شركاء الحرب والنهب والسلب قادمة أيضًا: بين حركات الارتزاق والجيش، وبينها وبين مليشيا درع السودان، وبين الأخيرة والكيزان، بين الكل ضد الكل. فحرب المليشيات المتحالفة مع البرهان ضد بعضها قادمة لا محالة، لكن حرب الكيزان ضد البرهان أراها الأقرب، بل أراها عاجلة، وإن رآها غيري آجلة، لأنهم يعرفونه أكثر منا، يعرفون أنه حربائي، وزئبقي، وكذّاب أشر، لا يُؤمن جانبه، فهو مثلهم في الجين، والطبع، والخسّة، والخيانة، ولا ريب، فهو ابن رحمهم الولود الحقود!
ليس لدينا ما نقوله هنا، ونحن نراهم يشحذون سكاكينهم تجاه بعضهم، سوى: أسرعوا، وأنجزوا، وأحسنوا الذبح، فإن دماء شهدائنا تظلّ تستفهم، وتنتظر.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.