تحرك مصري: لقطع الطريق على مساعي تحالف تأسيس، وإعلان حكومة الوحدة والسلام.
القاهرة – عين الحقيقة
لزهاء الثلاثة أسابيع ونيف، تحتضن مصر اجتماعات مكثفة جمعت قوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني سودانية، أبرزهم: التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، والحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، وتهدف هذه الاجتماعات إلى تقريب وجهات النظر والتقارب السياسي بين هذه القوى مجتمعة، في مسعى واضح لتهيئة الساحة لحوار سياسي يجمع القوى السياسية والمدنية، آملين من ذلك أن يأخذ شكل “مائدة مستديرة” لحلحلة الخلافات السياسية وإعادة ترتيب المشهد السوداني، بعيداً عن الاستقطاب الحاد والانقسام المتنامي.
ووفقاً لما توفرت لصحيفة”عين الحقيقة” من معلومات، فإن مصر تعمل على قدم وساق مع القوى السياسية المذكورة آنفاً لبلورة منبر سياسي بديل، من شأنه استيعاب تيارات سياسية سودانية مختلفة، باستثناء حزب المؤتمر الوطني المباد. ويأتي هذا الفعل في سياق مساعٍ جديدة لتقديم بديل سياسي يقطع الطريق أمام المساعي التي يقودها تحالف “تأسيس”، الذي انطلقت أعماله من نيروبي في الأشهر الماضية، والذي يسعى لتشكيل حكومة سلام تُعبر عن تطلعات الشعب السوداني الذي يعاني من جراء ممارسات حكومة الأمر الواقع ببورتسودان.
وتأتي تحركات القاهرة في ظل مشهد سياسي سوداني متأزم، في الوقت الذي تجتمع فيه أحزاب ومراكز سياسية وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني بدولة كينيا، لتشكيل حكومة بديلة عن السلطة القائمة في بورتسودان برئاسة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وفي الواقع، يصف مراقبون حكومة الأمر الواقع ببورتسودان بأنها تغذي خطاب الانقسام الاجتماعي والجهوي بين الشعب السوداني، لا سيما عبر التماهي مع سرديات الحرب، والخطاب الإعلامي الموجه ضد قوات الدعم السريع، ما أدى إلى شرخ عميق في النسيج الوطني.
وأفادت مصادر صحيفة “عين الحقيقة” من القوى السياسية التي تلتقي بالقاهرة حالياً، أن القاهرة تسعى إلى تقديم رؤية سياسية تضع حداً للتشرذم والتشظي وسط القوى السياسية السودانية، عبر مبادرة مصرية لا تُقصي من القوى السياسية إلا المؤتمر الوطني، مشيرين إلى أن المبادرة ترتكز على مبادئ الشراكة والتمثيل السياسي المتوازن، للتوافق حول آلية سياسية جديدة تسهم في وقف الحرب وصياغة رؤية تفضي إلى اتفاق سلام شامل بين أطراف النزاع.
بينما يرى عدد من المحللين السياسيين أن تحركات القاهرة، في ظاهرها دعم لاستقرار السودان، غير أنها بالأحرى تندرج في إطار سياسة الاحتواء التي دأبت القاهرة على اتباعها في الملف السوداني، في مواجهة تصاعد نفوذ الحركة الإسلامية في المشهد، وأكد المحللون أن مصر، من خلال المواقف السياسية والدبلوماسية، تبدو داعمة لحكومة بورتسودان، إلا أنها في الواقع تتحفظ على عودة الحركة الإسلامية أو تيارات الإسلام السياسي إلى السلطة، نظراً لتأثيرهم على قيادات الجيش.
ولفت المحللون إلى مخاوف مصر من تغلغل الحركة الإسلامية في مؤسسة الجيش، لا سيما في ظل ضعف وتشرذم الحاضنة المدنية، ما دفع القاهرة لصياغة خيارات سياسية جديدة تضمن إعادة إنتاج نظام سياسي يخدم مصالحها في السودان، ويقطع الطريق أمام التيارات الإسلامية التي تُعد تهديداً لأمنها القومي، مثل الكتائب الجهادية الإسلامية وجماعات الإخوان المسلمين.
وبحسب متابعين، فإن المساعي المصرية تهدف لسحب البساط من تحت أقدام تحالف “تأسيس”، الذي يقوده مدنيون ومسلحون وشخصيات وطنية تحظى بدعم قوى دولية، تسعى إلى تشكيل حكومة مدنية تمثل الهامش والشعوب المتضررة من الحرب، وأشاروا إلى أن المبادرة المصرية لم تُتخذ كمنبر بديل فحسب، بل تعمل فعلياً على عزل نيروبي سياسياً، وتقديم منبر سياسي موازٍ يُقصي أطرافاً، ويفتح المجال أمام تحالفات سياسية أكثر انسجاماً مع الرؤية المصرية التقليدية للمنطقة.
وفي السياق، ذكرت تقارير صحفية مصرية في وقت سابق أن القاهرة لم تُعلن بشكل رسمي عن هذه المبادرة، لكن تم الكشف عنها من خلال الاجتماعات المتواصلة وحديث بعض القيادات السياسية المشاركة، التي لمحت إلى نية مصر تسويق هذا المنبر كمخرج سياسي واقعي ينقذ السودان من مأزقه الراهن، وإن جاء ذلك على حساب المبادئ التي رفعتها ثورة ديسمبر السودانية في بداياتها، كالمحاسبة، والعدالة، وعدم الإفلات من العقاب.
وبالنظر إلى التقارير الصحفية، فإن التطورات الجارية في القاهرة تشير إلى أن المشهد السياسي السوداني يتجه نحو مرحلة جديدة من إعادة فرز التحالفات السياسية، حيث تسعى كل من القوى المدنية في بورتسودان لتأمين مواقعها في أي ترتيب جديد تحت تحالف “الكتلة الديمقراطية وتحالف صمود” بناءاً على موقفهما السياسية في المرحلة، بينما يسعى الجيش من جانب أخر للحفاظ على تماسك سلطته ومساعيه في الانفراد بالسلطة والثروة في مواجهة تحالفات قوات الدعم السريع ونفوذ الحركة الإسلامية.
ومن جهة أخرى، أفادت وسائل إعلام مصرية أن القاهرة تدرك جيداً أن الانخراط في الأزمة السودانية ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية، سيما في ظل تداعيات الحرب على الأمن الإقليمي وتدفق اللاجئين، علاوة على أن الانخراط المصري يبقى محكوماً بحسابات دقيقة تجاه دعم الاستقرار دون تمكين خصومها الأيديولوجيين من جماعة الإخوان المسلمين او تقويض نفوذ الجيش.
ويبقى السؤال مفتوحاً…هل تنجح مصر في بلورة منبر سياسي بديل يُقنع القوى السودانية ويُنتج تسوية مقبولة داخلياً وخارجياً..رغم أن الإجابة على هذا السؤال مرهونة بعدد من العوامل، منها مدى قدرة القوى السياسية المتواجدة في القاهرة على تجاوز خلافاتها الداخلية، فضلاً عن موقف الشارع السوداني الذي لا يزال متحفزاً لأي عملية سياسية لا تضع العدالة والسلام والتحول المدني في مقدمة أولوياتها.. لكن على الرغم ما يُذكر عن حوارات القوى السياسية “صمود” و”الكتلة الديمقراطية” إلا أن الأنظار تتجه الآن نحو مخرجات اللقاءات الجارية في القاهرة .. ويظل الأمل معقوداً على أن تفضي هذه التحركات إلى إنهاء الحرب، وتؤسس لمرحلة جديدة من السلام والاستقرار، لا تُعيد إنتاج الأزمة، بل تتجاوزها نحو مستقبل يليق بتضحيات السودانيين في إرساء دعائم حكم مدني ديمقراطي.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.