بعد أن سيطر عليها الدعم السريع: “كرب التوم”.. أهمية أمنية وإستراتيجية.
كرب التوم - عين الحقيقة
في أقصى شمال ولاية شمال دارفور، تقبع منطقة “كرب التوم” في موقع جغرافي فريد منحها حيوية تتجاوز حدودها الطبيعية، لتصبح بؤرة استراتيجية تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية، السياسية، الاقتصادية على أطراف المثلث الحدودي الذي يربط السودان، وليبيا ومصر، حيث تتحرك الشاحنات التجارية، وتتقاطع مصالح الدول والشعوب، وتنشأ توترات مركبة بين الأطراف داخلياً وخارجياً.
تقع منطقة كرب التوم ضمن النطاق الجغرافي لإقليم دارفور، لكنها تقترب جغرافياً من شمال السودان، حيث تُطل على تخوم الولاية الشمالية..هذه الثنائية في الانتماء الجغرافي لم تمر دون أثر، إذ خلقت ما يشبه التداخل الإداري والسياسي، مما فتح الباب أمام نزاع إداري حول تبعيتها.
وتُعد منطقة “كرب التوم” ممراً تجارياً بالغ الحيوية، إذ تمر عبرها آلاف الشاحنات التي تنقل البضائع من ليبيا ومصر إلى المحيط الشمالي للسودان، ما يمنحها أهمية لوجستية جمركية كبرى..وهو كذلك منفذ حدودي تعبر من خلاله حركة السلع، والأفراد من وإلى دول الجوار.
ومنذ العام 1952 ظلت منطقة” كرب التوم” تتبع إدارياً لإقليم دارفور، وشكلت جزءاً من ذاكرته الجغرافية والاجتماعية..غير أن القرار الذي اتخذته حكومة الإنقاذ مؤخراً بضمها إلى الولاية الشمالية، شكل نقطة تحول حادة في مصيرها، حيث جاء القرار بناءً على مكاسب اقتصادية، وما تدره المنطقة من عائدات جمركية معتبرة، جعلت من ضمها مسألة مالية مغرية للولاية الشمالية.
وعلى الصعيد الإداري، أثار قرار ضمها جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والمجتمعية في دارفور، حيث رُفض على نطاق واسع باعتباره انتقاصاً من موارد الإقليم، وحرماناً له من إيراد مهم، في وقت يعاني فيه من ضعف البنى التحتية، وتهميش اقتصادي، ونقص تنموي.. وفي إطار محاولات معالجة هذه الإشكالية، نصت اتفاقية الدوحة لسلام دارفور، الموقعة في عام 2011، على إعادة منطقة “كرب التوم” إلى دارفور، باعتبارها جزءاً من أراضي الإقليم وامتداداً لمجتمعاته التقليدية.
ووفقاً لخبراء استراتيجيين، فإن الأهمية الاقتصادية ليست وحدها ما يجعل ننطقة “كرب التوم” محط أنظار الجيش وقوات الدعم السريع، مشيرين إلى أن المنطقة تمثل نقطة تماس حدودية ذات بعد أمني كبير، تضم ممرات جوية وبرية تستخدم في التجارة.
وتابع، الخبراء قائلين لصحيفة “عين الحقيقة” أن من يُسيطر علي منطقة “كرب التوم” يمتلك القدرة على ضبط الحركة التجارية عبر الحدود، وهو ما يصب في مصلحة قوات الدعم السريع بالفعل، علاوة على أن السيطرة على هذه المنطقة الحيوية تمنحها إمكانية الوصول إلى طرق الإمداد والموارد، مما يجعلها رافعة نفوذ سياسي وعسكري في آنٍ واحد.
واعتبر الخبراء أن المنطقة أضحت محل أطماع متزايدة على خلفية اشتعال حرب أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز تموضعه عبر الإمساك بمفاصل جغرافية حساسة كهذه المنطقة.
وبالعودة إلي الإرث التاريخي، ذكرت تقارير إعلامية أن منطقة “كرب التوم” تحتفظ بتاريخ تجاري عريق، كمحطة تجارية تعود إلى عهد المماليك، حينما كانت تُستخدم كميناء بري يربط بين أعماق إفريقيا الشمالية والوسطى والموانئ المتوسطية، وتابعت التقارير أن المنطقة ظلت لقرون طويلة جزءاً من المسارات التجارية والاقتصادية المهمة التي تربط دارفور بمصر وليبيا، ما منحها بُعداً ثقافياً واجتماعياً مميزاً في كل الأوقات.
وبحسب التقارير الإعلامية لا زالت للمنطقة أدوار اقتصادية واجتماعية حية في وجدان سكانها، الذين ينتمون في الغالب إلى القبائل البدوية في إقليم دارفور، مثل “الكبابيش” الذين يعتمدون على الرعي كنمط حياة أساسي، متنقلين بين دارفور وكردفان الكبرى حسب المواسم والمراعي.
الي ذلك، نوه مراقبين إلى أن النمط البدوي العريق للمنطقة من شأنه أن يعزز الترابط الاجتماعي بينها وإقليم دارفور، ما يشكل حجة إضافية في وجه من يطالبون بفصلها إدارياً عن دارفور.
وفي سياق متصل، يقول خبراء عسكريين إن دخول قوات الدعم السريع إلى منطقة “كرب التوم” لا يمكن عزله عن السياق الأشمل لتوغل القوات في الولاية الشمالية، وإقليم دارفور، وكردفان، لافتين إلى أنه في ظل غياب مؤسسات حكم راسخة، تتحول القضايا الإدارية إلى وقود سياسي، ومصادر للتوترات الأمنية التي تُفاقم من تعقيد المشهد أكثر مما تُسهم في حله.
ويشكل استيلاء قوات الدعم السريع على منطقة كرب التوم خطوة عسكرية ذات أهمية ضمن مسار توسعها المستمر، ولا سيما بالمناطق الحدودية، التي تربط بين الأقاليم السودانية ودول الجوار..ويعكس هذا التقدم توغلاً متزايداً بالمنطقة، قد يُفضي إلى تحولها من ساحة صراع عسكري إلى جسر للتكامل الحدودي والتبادل الإقليمي مع كل من ليبيا ومصر..فالموقع الذي كان يوماً ميداناً للمعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، بات اليوم مؤهلاً لأن يتحوّل إلى نقطة التقاء تخدم مصالح الحكومات والشعوب معاً.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.