في ظل صمت مطبق وتعتيم إعلامي خانق من قبل الأطراف المتصارعة بمدينة الفاشر، تقف عاصمة ولاية شمال دارفور، على حافة هاوية إنسانية وأمنية، إذ تتحول يوماً بعد يوم إلى مدينة محاصرة ومقسمة، يعيش سكانها بين ركام الدمار وخوف دائم من المصير المجهول، بشأن الأطماع السياسية لقيادات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام.
ما يجري فيها من معارك مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من 20 شهراً، أدى إلى إنهيار خدمي وصراع عسكري متفاقم..
ورغم الأهمية الاستراتيجية والسياسية للمدينة، إلا أن ما يجري فيها من معارك مستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من 20 شهراً، أدى إلى إنهيار خدمي وصراع عسكري متفاقم، ظل بعيداً عن أعين الإعلام المحلي والدولي، في وقت ينشغل فيه تحالف بورتسودان بالتشكيل الوزاري الجديد، وسط أضواء إعلامية أثارت ضجة واسعة حول شخصية د. كامل إدريس، رئيس الوزراء المعين من قبل قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
ومنذ اشتعال الحرب في الفاشر في العامين الماضيين، بين الجيش والقوات المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، باتت الفاشر مسرحاً مفتوحاً للعمليات العسكرية؛ حيث تشهد المدينة اشتباكات عنيفة في كل الأحياء الشرقية والجنوبية والشمالية، والأحياء التي تقع بالقرب من مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة، غرب السوق الكبير “حجر قدو”، حيث يتحصن الجيش، مقابل تمدد واضح وسيطرة لقوات الدعم السريع على الطرق والمداخل المؤدية للمدينة.
قوات الدعم السريع أصبحت تسيطر فعلياً على كل مداخل المدينة، وتفرض رقابة على الحركة التجارية..
وفي السياق، أفادت مصادر ميدانية من الفاشر أن قوات الدعم السريع أصبحت تسيطر فعلياً على كل مداخل المدينة، وتفرض رقابة على الحركة التجارية، فيما يعاني الجيش والقوات المساندة من المشتركة، والمستنفرين وكتائب الحركة الإسلامية، من حالة حصار مطبق تتفاقم فيه خطوط الإمداد من خارج الولاية.
وفي ضوء ذلك، أكدت المواطنة “مريم ع.م.ع”، التي تسكن في حي المنارة من الناحية الجنوبية للمدينة، لصحيفة “عين الحقيقة” أن “مواطنو الفاشر باتوا لا يعرفون ليلهم من نهارهم، من اشتداد دوي المدافع الثقيلة والأسلحة الخفيفة التي لم تتوقف على الإطلاق، مضيفة” أن المواد الغذائية الأساسية نفدت من الأسواق، ولا أحد يسأل عنا، وكأننا خارج حدود السودان. وفي ذات الاتجاه، ذكرت تقارير إعلامية أن تصاعد المعارك دفع عشرات الآلاف من المدنيين إلى النزوح القسري نحو المحليات والمناطق الشمالية والغربية والشرقية المجاورة للمدينة.
تقديرات المنظمات المحلية إلى أن عدد النازحين من مدينة الفاشر إلى خارجها خلال الأسابيع الماضية تجاوز “40” ألف مدني..
إلى ذلك، لفتت تقديرات المنظمات المحلية إلى أن عدد النازحين من مدينة الفاشر إلى خارجها خلال الأسابيع الماضية تجاوز “40” ألف مدني، بينما توقفت العديد من المنظمات الدولية عن العمل داخل المدينة منذ مطلع مايو 2024، لانعدام الأمن وغياب الضمانات.
وقال ناشط بالمجتمع المدني من أبناء مدينة الفاشر، فضل حجب اسمه، إن الخدمات الأساسية في الفاشر تكاد تكون منعدمة، مضيفاً أن “الكهرباء مقطوعة تماماً، المياه شحيحة، والمراكز الصحية مغلقة، “مستطرداً أن أحد الأطباء المتطوعين في المركز الصحي بحي الفاشر الثانوية، أفاده أن كل مستشفيات المدينة خرجت عن الخدمة، بينما تستقبل المراكز الصحية عشرات المصابين يومياً جراء القصف العشوائي من طرفي الصراع او إصابات المعارك، في ظل غياب تام للأدوية ونقص الكوادر الطبية.
فيما أوضح مواطنون من الفاشر لصحيفة “عين الحقيقة” أن “أسعار السلع تضاعفت في الأسواق، وسط انهيار تام في الخدمات الأساسية وانعدام المواد التموينية، وإن وُجدت، تُباع بأسعار باهظة” مشيرين إلى أن “التجار يخزنون المواد الغذائية لبيعها في السوق السوداء، في ظل غياب سلطة حاكمة أو رقابة.
مراقبون للمشهد بمدينة الفاشر: أن الأوضاع تعكس خطورة الموقف، وبرغم ذلك، تواجه المدينة تعتيماً إعلامياً غير مسبوق من قبل الجيش ومنسوبي القوات المشتركة..
وفي سياق متصل، أكد مراقبون للمشهد بمدينة الفاشر أن الأوضاع تعكس خطورة الموقف، وبرغم ذلك، تواجه المدينة تعتيماً إعلامياً غير مسبوق من قبل الجيش ومنسوبي القوات المشتركة، حيث تمنع الجيش، والمشتركة الصحفيين والإعلاميين المحليين من تغطية الأحداث.. واستدرك المراقبون: بينما اختفت الأصوات المدنية وسط ممارسة الانتهاكات والاعتقالات التعسفية التي تقوم بها القوات المشتركة تجاه المدنيين والصحفيين، بتهمة الانتماء للدعم السريع؛ ففي الشهر الماضي، اعتقلت “المشتركة” اثنين من الصحفيين، بينهم الصحفي المعروف محمد أحمد نزار، وأشار مراقبون إلى أن الاعتقالات طالت ناشطين ومدنيين بتهمة التصوير أو نشر معلومات عن المعارك.
وبسبب انعدام خدمات الاتصالات، أكدت مصادر ميدانية من الفاشر أن شبكات “ستارلينك” تعمل بشكل جزئي وفي سرية تامة في بعض الأحياء السكنية، ما يعزز فرضية العزل الممنهج للفاشر عن محيطها الداخلي والخارجي، منوهين إلى التساؤلات التي تعكس سوء النيات السياسية من قبل الجيش والقوات المشتركة، في وقت تبدو فيه المدينة عرضة للانهيار الكامل.
ومع تطاول أمد الصراع في عاصمة ولاية شمال دارفور، استنكرت قيادات إعلامية انشغال حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، برئاسة قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، بالتشكيل الوزاري الجديد، دون أي ذكر أو تحرك لإنقاذ أهل الفاشر، مشيرين إلى أن غيابهم وصمتهم تجاه معاناة مواطني المدينة أثار غضباً واسعاً في أوساط سكان إقليم دارفور، الذين شعروا مؤخراً أنهم تُركوا لمصيرهم في وجه آلة الحرب.
استهجن مراقبون صمت القوى الدارفورية الفاعلة من المثقفين والفاعلين تجاه ممارسات الجيش والمشتركة وكتائب الحركة الإسلامية..
وفي المنحى ذاته، استهجن مراقبون صمت القوى الدارفورية الفاعلة من المثقفين والفاعلين تجاه ممارسات الجيش والمشتركة وكتائب الحركة الإسلامية، التي تتورط في انتهاكات وكذب وتلفيق إعلامي، يساهم في إطالة أمد الأزمة وتغذية الكراهية والانقسام الداخلي لشعوب إقليم دارفور.
وفي ظل الانهيار المتسارع لحاضرة ولاية شمال دارفور، أطلقت منظمات محلية ودولية ونشطاء مدنيون نداءات استغاثة عاجلة للمجتمع الدولي والأمم المتحدة، لتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين في الولاية..لكن مع انعدام أفق الحلول وتراخي المواقف الدولية، باتت الفاشر تتجه نحو سيناريو كارثي: مدينة مقسّمة، محاصَرة، منهكة، وصامتة… تموت ببطء، دون أن يُسمع لها صوت، لا سيما من معسكر بورتسودان، الذين أشعلوا فيها فتيل الحرب، وجعلوا منها خط الدفاع الحاجز للولايات الشمالية والشرقية من السقوط.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.