عودة الجهاز القضائي في الجنينة بين رماد الحرب وبشائر التعافي

تقرير - عين الحقيقة

 

شهدت ولاية غرب دارفور، خلال العام 2023م، واحدة من أكثر الفترات دموية واضطرابًا في تاريخها، حيث اندلعت حربان متتاليتان تسببتا في دمار هائل لمرافق الدولة والمؤسسات الخاصة والتي انطلقت شرارتها في 24 أبريل 2023م، كانت حربًا قبلية عنيفة أدت إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية الحكومية، بما في ذلك مقار الوزارات والمراكز الصحية والمؤسسات العدلية، وعلى رأسها الجهاز القضائي بمدينة الجنينة، الذي تعرض للحرق والتخريب الكامل، ما جعله خارج الخدمة تمامًا.

ولم تكد المدينة تبدأ في لملمة جراحها حتى تفجّرت حرب جديدة، أكثر تعقيدًا، في أكتوبر من العام نفسه، بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، مما عمّق الأزمة الأمنية وأدخل المدينة في مرحلة “الدمار الكامل”، بحسب تعبير بعض المراقبين. ورغم هذه الظروف القاسية، بدأت مدينة الجنينة، شيئًا فشيئًا، تتلمس طريقها نحو التعافي، بجهود أبنائها وبناتها الذين أطلقوا مبادرات لإعادة تأهيل المرافق الحيوية. وكان الجهاز القضائي من أوائل المعالم التي وُضعت في سلم الأولويات، نظراً لأهمية دوره في إرساء العدالة وبسط هيبة القانون.

رئيس الإدارة المدنية بغرب دارفور، تجاني الطاهر كرشوم: المجمع القضائي “تعرض لدمار وخراب كبير خلال الحرب”، لكن “بإرادتنا القوية، تمكنا من إعادته للعمل”

ومن جانبه قال رئيس الإدارة المدنية بغرب دارفور، تجاني الطاهر كرشوم، إن المجمع القضائي “تعرض لدمار وخراب كبير خلال الحرب”، لكن “بإرادتنا القوية، تمكنا من إعادته للعمل”. وأضاف أن العمل مستمر في صيانة وتأهيل باقي المؤسسات الحكومية، لتستعيد قدرتها على أداء مهامها في تطبيق القانون وإنصاف المظلومين.

بدوره، أكد رئيس الجهاز القضائي، مولانا صلاح الدين النور، أن “إعادة تأهيل الجهاز القضائي تمثل مرحلة مهمة في طريق إرساء دعائم العدل”، مشيراً إلى أن المجمع يشمل محكمة الاستئناف، والمحاكم العامة بدرجاتها المختلفة، والمحاكم الريفية والمدنية، ما يُمكّنه من “الفصل في النزاعات المدنية والجنائية والشرعية، وتحقيق الاستقرار المجتمعي ومحاربة الجريمة”.

عودة الجهاز القضائي للعمل في مدينة الجنينة تمثل نقطة تحوّل رمزية وعملية في طريق التعافي من آثار الحرب

أما محكمة الطوارئ، التي أُنشئت في أعقاب الحرب مباشرة، فقد كان لها دور بارز في استعادة الحياة القانونية. وقال رئيس المحكمة، مولانا إبراهيم الدوم، إن المحكمة بدأت بالنظر في قضايا الطوارئ في “ظروف حرجة”، قبل أن تتوسع تدريجيًا لتشمل القضايا العامة من مختلف ولايات دارفور. كما قامت المحكمة بإجراء إشهادات شرعية، بينها أكثر من 200 حالة طلاق، ما يعكس دورها الحيوي في تسيير شؤون المواطنين رغم التحديات.

إن عودة الجهاز القضائي للعمل في مدينة الجنينة تمثل نقطة تحوّل رمزية وعملية في طريق التعافي من آثار الحرب. ورغم هشاشة الأوضاع الأمنية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، فإن نجاح حملة إعادة التأهيل يعد دليلاً على إصرار المجتمع المحلي على استعادة دولته، وترميم ما دمرته الحرب، ليس فقط في المباني، بل في قيم القانون والعدالة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.