كذب بدرجة HD: (فيلم مذبحة بلا دم)!
🖊🩸علي أحمد
دائمًا ما أقول إن على المرء أن يتحلى بالشك المطلق، أمام كل ما يصدر عن أجهزة الكيزان الأمنية والعسكرية وميليشياتها، وما تُسمى “القوة المشتركة” من حركات مرتزقة دارفور المتحالفة معها. وشخصيًا، لولا معرفتي بمكائد وشِراك هذه الأجهزة الخبيثة، لسقطت في حبال الخديعة منذ بدايات هذه الحرب اللعينة.
أمس، قامت ميليشيا “المشتركة”، تحت إشراف وتمويل أجهزة الأمن والاستخبارات، وإخراج المجرم مني أركو مناوي، بنشر فيديو مصوّر في الخلاء بالقرب من معسكر زمزم للاجئين، الذي تتخذه “ميليشيات المشتركة” قاعدة عسكرية لها، وتستخدم المدنيين فيه كدروع بشرية. استعان مخرج الفيديو، وهو مبتدئ وجاهل في كل مجال يخوضه، بممثلين مبتدئين، أغلبهم من النساء، دون تدريب كافٍ. بعضهن أدَّين دور الضحايا، وأخريات لعبن دور الطاقم الطبي، بينما مثَّلت مجموعة ثالثة دور النائحات المستأجرات.
وبدا واضحًا أن الطاقم الفني قد استخدم معدات تصوير حديثة لإضفاء طابع درامي يُظهر نساءً وأطفالًا قُتلوا على يد قوات الدعم السريع، بحسب السيناريو المُعد للتمثيلية، بينما كانت “فرق الإسعاف” تلهث لإجلاء المصابين، وأرتال النساء يندبن بحرقة لافتة. لكن خللًا فنيًا أدى إلى تحرك من يُفترض أنها جثث من مكانها – يا سبحان الله – مع بقاء مشاهد تُظهر الممثلات وهن يوجهن أنظارهن مباشرة نحو الكاميرا في انتظار التعليمات. كما فشلت أغلبهن في أداء أدوارهن، سوى من أدَّين دور المسعفات، اللاتي أشهد لهن بنجاحهن جزئيًا في تمثيل الدور الموكل إليهن. وكان يمكن تدارك الأخطاء بحذف هذه المشاهد أو الامتناع عن نشرها، لولا غباء وتسرع الفريق الفني البدائي القائم على إنتاج الفيلم، الذي لم ينتبه إلى رداءة منتجهم، فبثوه على السوشيال ميديا تحت عنوان: (انتهاكات الدعم السريع وقتل النساء والأطفال)، على النحو البئيس الذي شاهدناه، فكانت مسرحية كوميدية هزلية أضحكت الثكالى عليهم.
بلا شك، إن الكشف عن هذه التمثيلية البائسة يُمثّل جرس إنذار خطير، بالقدر الذي يكفي للتشكيك في جميع ما سمعناه وشاهدناه وقرأناه عن انتهاكات منسوبة لقوات الدعم السريع، ويستوجب مراجعة جميع المقاطع المماثلة التي تم إنتاجها من قبل أجهزة الاستخبارات والأمن والكتائب الجهادية وميليشيات المرتزقة في الخرطوم والجزيرة وسنار وغيرها. بل يستوجب التشكيك والتوقف وإعادة فحص كل المنشورات المكتوبة والمسموعة والمرئية، التي ظلت ترد إلينا وتتلقفها بعض المنظمات المحلية وتنشرها في تقاريرها كأدلة على انتهاكات قوات الدعم السريع، وهي كثيرة، لدرجة أن هناك امرأة تدير منظمة نسوية كشركة خاصة بها، لا تزال تأتينا حتى هذه الساعة بقوائم اغتصاب. ولا شك لديّ الآن أن دليلها على ذلك هو نفس الفك والتركيب والتمثيل الذي شاهدناه بالأمس. ولست مجنونًا لأشكك في حدوث حالات اغتصاب للنساء في هذه الحرب اللعينة، ولا أرى أن منظومة الدعم السريع منظومة ملائكية، بل إنها تضم، مثلها مثل أي قوات عسكرية، أفرادًا يفوقون الشيطان الرجيم في شروره. ولكني أطالب بتحديد الجناة بالأدلة، لا بالتمثيليات والروايات السخيفة. كما أن هذه الحرب طابعها الرئيسي هو الاغتصاب؛ فقد اغتصب الإسلاميون وعسكرهم بلادنا، واستقرارنا، وحريتنا، وإرادة شعبنا، وبراءة أمهاتنا وأطفالنا، وصار الاغتصاب حولنا في كل ناحية ومكان، لم تسلم منه حتى مقاعد الحمامات وأغطية البالوعات. ولهذا السبب، لا غيره، ظللنا ننادي دومًا ومن اليوم الأول بإيقاف هذه الحرب، فالانتهاكات هي بنات الحروب، وكل من ينادي باستمرار الحرب فهو مشارك في جرائمها.
لقد نبهنا إلى تلك (الفبركات) منذ بداية الحرب، وأشرنا إلى أن معظم المواد الإعلامية التي تم نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم بثتها بعض القنوات التلفزيونية العربية، والتي تُظهر جنودًا بزي الدعم السريع وهم يقومون بأعمال نهب وسرقة وقتل، كان كثير منها في الواقع لممثلين يتم إلباسهم زي الدعم السريع، مع آخرين يمثلون دور المدنيين الذين يتعرضون للاعتداء. وأن هذا الأمر ليس وليد الحرب، وإنما بدأ إنتاج هذه المقاطع منذ أيام الثورة الأولى، وتواصل بعد سقوط نظام المجرم البشير، وخلال مجزرة فض اعتصام القيادة، وإبان التعامل العنيف مع الثوار في جميع الاحتجاجات والتظاهرات بعد انقلاب 25 أكتوبر المشؤوم. ونحمد الله أن سقط القناع الآن، وبانت السوءات، وما أكبر الفضيحة، وما أصغر هامش الكذب والمناورة، فقد انكشف كل شيء.
تبا للسيناريو.. وتبًّا ثم تبًّا للمخرج!
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.