حين نطق “الشيخ” وسكت العبيد!

منعم سليمان

قال الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني كلمته ومضى: قادة الجيش السوداني هم سبب دمار السودان، أدواتٌ للخارج، وعملاءُ لمصالح لا تمتّ للوطن بصلة.

كلماتٌ وجيزة، لكنها دوّت كالصاعقة على سواحل بورتسودان، فارتجّت الأبواق الإعلامية “الكيزانية” التي ما فتئت تنفخ نار الحرب من الدوحة، واضطربت الماكينات الإعلامية الإسلامية التي طالما ادّعت الغيرة على “جيش الهناء”، وهم يقتاتون من الحرب، كما يقتات الطفيليّ من دم الجسد.

لزموا الصمت وتيبّست ألسنتهم من الخوف، وكأنّ على رؤوسهم الطير؛ ولم نسمع لا منهم ولا من خارجيتهم التي تدار من الخارج (!) هي الأخرى: لا بيان استنكار، لا تبرير، ولا دفاع.

الكيزان الذين توعّدوا الشعب بـ “قطع الألسن” إن هي مسّت الجيش – الذي يسيطرون عليه من ساسه إلى رأسه – ابتلعوا ألسنتهم دفعةً واحدة حين مست الكلمات رؤوسهم مباشرة: البرهان، كباشي، جابر، والعطا. وهذا الأخير الذي لا يملّ من نثر بذاءاته وإسقاطاته على المنابر كلّما تعلّق الأمر بالإمارات، انكمش صمتاً أمام حديث الشيخ القطري، كعبدٍ سمع اسم سيّده!

ولِمَ لا يصمت؟ بل كيف لا يصمتون جميعاً، والمتحدث (قطر)، وإسلاميّو العالم قاطبةً، وإسلاميّو السودان خاصة، كلّما رأوا مسؤولاً قطرياً قالوا: هذا ربّي! فكيف بهم والقائل ليس أيّ مسؤول، بل رئيس وزرائها السابق، ووزير خارجيتها الأسبق والأشهر، وأحد مهندسي سياستها التي ما تزال قائمةً حتى الآن!

لقد أصاب الشيخ حمد بن جاسم كبد الحقيقة، بل إنّ من شاهد “البودكاست” لا بدّ أنه قد رأى تعابير الامتعاض والقرف المرتسمة على وجهه حين ذكرهم، في مشهدٍ يكشف عن عمق الاحتقار الذي يكنّه لهم!

إنّ صمتهم أمام تصريحات الشيخ القطري لم يكن أدباً واتزاناً، بل رهبةً وخشية وانكشافاً؛ فمن لا يملك ضربةَ فأسِه لا يملك قرارَ نفسه، ومن يقتل شعبه خدمةً لمصالح الخارج وبتمويله، نزل عليه غضب الله واحتقار حمد بن جاسم.

ثمّ كيف يجرؤون على الردّ، و(الدوحة) هي التي تأويهم وتحفّهم بظلالها، وتغمرهم بنعمها الوافرة، وهي نعمٌ لا مقطوعةٌ ولا ممنوعةٌ كلّما تعلّق الأمر بالإخوان؛ من غزّة إلى إسطنبول، ومن أفغانستان إلى بورتسودان، وأذلّهم وأحقرهم إخوان السودان.

وكيف لهم أن يجادلوا وقد قال عنهم ما يعلمه القاصي والداني؟ فالحقيقة ما عادت سرّاً: هؤلاء ليسوا حماة الوطن، بل عملاءُ لدولٍ أخرى تعمل على تدمير وطنهم ونهبه، وطلابُ سلطةٍ فوق رؤوس الأبرياء، وسماسرةُ حربٍ ومرتزقةُ ولاءات، يتحدّثون عن الوطنية والشرف فيما أيديهم غارقةٌ في وحل العمالة والخيانة.

إنّ نفاق العسكر وكيزانهم قد بلغ من الفجور مبلغاً صاروا معه يوزّعون صكوك الوطنية على الناس، بينما هم – لا غيرهم – في كل السودان الكبير: لصوصٌ، عملاءُ، وخونة ومقاولو خراب!

حديث الشيخ لم يكن إساءةً، بل نزعاً لورقة التوت الأخيرة عن عورةٍ مستترةٍ بشعاراتٍ جوفاء؛ وقد انكشفوا اليوم، لا لأنّ خصومهم فضحوهم، بل لأنّ أسيادهم صدعوا بالحق فيهم.

فلتصمت الأبواق إذن، وليُغلق إعلام الدوحة أبوابه على خيبته؛ فالكلمات التي خرجت من فم الشيخ حمد لم تكن رأياً سياسياً، بل حكماً تاريخياً على هذه الفئة الرديئة المنحطّة من العسكر والكيزان، الذين دمّروا ونهبوا وخانوا وطنهم، وتعاملوا معه تعامل إخوة يوسف مع أخيهم: باعوا السودان بثمنٍ بخس، وكانوا فيه من الزاهدين.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.