تفاقم التوترات الحدودية بين السودان وإفريقيا الوسطى..أسبابه ومآلاته

تقرير‐ عين الحقيقة

تشهد الحدود المشتركة بين السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى توترات متزايدة خلال الأسابيع الأخيرة، وسط تقارير عن توترات أمنية غير مسبوقة وتدهور إنساني متسارع، لا سيما في المناطق الحدودية ومنطقة أم دافوق، الواقعة على المثلث الحدودي الذي يربط بين السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى.. وتأتي هذه التطورات في ظل تزايد النفوذ الروسي في إفريقيا الوسطى منذ عام 2017، ما يُثير مخاوف من تمدد الصراع إلى داخل الأراضي السودانية.

الناشط في المجتمع المدني عباس عاشور كشف عن معلومات تتعلق بالتواجد الروسي في إفريقيا الوسطى، مشيرًا إلى أن هذا الوجود بدأ بدعوة رسمية من رئيس إفريقيا الوسطى الأسبق في عام 2017

ولتسليط الضوء علي الأوضاع الإنسانية والأمنية علي الحدود بين بانغي والسودان من جهة إقليم دارفور، كشف الناشط في المجتمع المدني عباس عاشور عن معلومات تتعلق بالتواجد الروسي في إفريقيا الوسطى، مشيرًا إلى أن هذا الوجود بدأ بدعوة رسمية من رئيس إفريقيا الوسطى الأسبق في عام 2017، بعد أن واجه تهديدًا متصاعدًا من تحالف سيلكا المسلح آنذاك، الذي يضم مجموعات من قبائل شمال إفريقيا الوسطى.

وذكر الناشط عاشور ل”عين الحقيقة” أن تحالف سيلكا كان قد تمكن من السيطرة على معظم مدن إفريقيا الوسطى ووصل إلى مشارف العاصمة بانغي، ما دفع النظام إلى الاستعانة بالروس لتأمين العاصمة واستعادة السيطرة على الأوضاع الميدانية. وأضاف: أن التدخل الروسي تمدد في مناطق متعددة من إفريقيا الوسطى، أبرزها مدينتي بمبريي شمالًا، وبيريا في الوسط، وجالي إلي جانب منطقة أم دافوق على الحدود مع السودان وتشاد، وهي مناطق وصفها بأنها ذات أهمية استراتيجية بالغة، وتشكل جزءًا من الترتيبات الأمنية التي تعتمدها النظام في بانغي.

وأكد عباس أن القوات الروسية أقامت معسكرات في مناطق مختلفة تمارس فيها أنشطة مرتبطة بالتنقيب عن الذهب والماس في المناجم والأنهار، ضمن مصالح اقتصادية وأمنية متشابكة، منوها إلي أن هذه الأنشطة مثلت غطاءً لتعزيز النفوذ الروسي في الإقليم، مضيفًا أن تراجع حركة سيلكا خلال تلك الفترة مكن الروس من توسيع وجودهم الميداني.

وحذر عاشور من أن الروس يسعون حاليًا إلى تكوين خلايا تعمل لصالح النظام في بانغي، تهدف إلى إعادة بسط النفوذ الروسي داخل الاراضي السودانية عبر بوابات اقتصادية وأمنية جديدة، خاصة في المناطق الحدودية الغنية بالثروات.

تقارير ميدانية: تجاوز عدد الفارين من إفريقيا الوسطى إلى منطقة أم دافوق لأكثر من 2000 أسرة، مع استمرار تدفقات جديدة للنازحين من المناطق الحدودية، وسط غياب تام للتدخلات الإنسانية العاجلة

بالتوازي مع هذه التطورات، أفادت تقارير ميدانية عن تجاوز عدد الفارين من إفريقيا الوسطى إلى منطقة أم دافوق لأكثر من 2000 أسرة، مع استمرار تدفقات جديدة للنازحين من المناطق الحدودية، وسط غياب تام للتدخلات الإنسانية العاجلة. ووفقًا للتقارير الميدانية، بدأت بعض المنظمات المحلية في تسجيل الفارين، ومعظمهم من السودانيين العائدين من اللجوء في إفريقيا الوسطى، إضافة إلى عشرات الأسر من لاجئي إفريقيا الوسطى أنفسهم.

وفي غضون الأسابيع الماضية شهدت منطقة أم دافوق الحدودية، تدفقات كبيرة للنازحين واللاجئين العائدين قسرًا من داخل إفريقيا الوسطى، وسط أوضاع إنسانية مأساوية تتمثل في انعدام الغذاء والدواء ومواد الإيواء، في وقت تعاني فيه المنطقة من هشاشة في البنية التحتية وضعف الخدمات وغياب المساعدات الكافية.

وأطلقت منظمات المجتمع المدني السودانية نداءً عاجلاً بشأن الأوضاع الإنسانية المتدهورة في المناطق الحدودية، مؤكدين أن التوتر الأمني على الشريط الحدودي أدى إلى سقوط ضحايا سودانيين على يد مجموعات محلية مدعومة بعناصر روسية من داخل إفريقيا الوسطى. وللظروف الانسانية العصيبة التي تشهدها المناطق الحدودية، أكدت المنظمات أن نداءها جاء في الوقت تحديدًا لجهة سوء الأوضاع الإنسانية على الحدود السودانية وأفريقيا الوسطى. واستطردت: نطلق نداءً إنسانيًا عاجلاً، وندعو وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التحرك السريع والاستجابة لحوجة آلاف الفارين من الصراع في المناطق الحدودية.

ومن جهتها، طالبت المنظمات بتقديم الغذاء والرعاية الصحية والإيواء والحماية، وإرسال فرق الطوارئ الإنسانية إلى منطقة أم دافوق والمناطق المجاورة، لدعم القدرات المحلية المحدودة التي تواجه ضغطًا متزايدًا مع تدفق الفارين. كما دعت المجتمع الدولي والهيئات الإقليمية إلى الاضطلاع بدورها في تقديم الدعم والحماية والمساءلة وفق مبادئ القانون الدولي الإنساني، مشددين علي ضرورة تكثيف جهود المصالحات بين المجتمعات المحلية على جانبي الحدود للحد من تفاقم الصراعات القبلية والمواجهات المسلحة.

يرى مراقبون أن تصاعد التوترات الحدودية يرتبط بعدة عوامل متشابكة، منها الفراغ الأمني في مناطق دارفور الغربية، وتنامي الوجود المسلح عبر الحدود، إضافة إلى التمدد الروسي في إفريقيا الوسطى

وفي ضوء ذلك، يرى مراقبون أن تصاعد التوترات الحدودية يرتبط بعدة عوامل متشابكة، منها الفراغ الأمني في مناطق دارفور الغربية، وتنامي الوجود المسلح عبر الحدود، إضافة إلى التمدد الروسي في إفريقيا الوسطى الذي يسعى لبسط نفوذ يتجاوز الأبعاد الاقتصادية إلى التأثير في موازين القوى الإقليمية.

إلي ذلك، حذر خبراء من أن استمرار هذا الوضع قد يقود إلى موجات نزوح جديدة نحو داخل السودان، ويُهدد بإشعال نزاعات عابرة للحدود، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع الإنساني والأمني.. بينما يخشى البعض أن تتحول المنطقة إلى مسرح تنافس دولي جديد بين القوى الأجنبية المتصارعة على النفوذ والثروات في الإقليم.

في ظل تدهور الأوضاع الميدانية وتزايد التوترات الأمنية على جانبي الحدود، تبقى منطقة أم دافوق عنوانًا لأزمة مركبة تجمع بين الانفلات الأمني الحدودي، والتنافس الدولي، والانهيار الإنساني..ومع غياب حلول سياسية فعالة وتراجع الدور الحكومي في ضبط الحدود، تبدو المآلات مفتوحة على جميع الاحتمالات من اتساع رقعة النزوح إلى انزلاق المنطقة نحو صراع إقليمي جديد.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.