باحث بالمركزالأفريقي للديمقراطية والتنمية
في تصريحات صحفية له،أعلن الفريق شمس الدين كباشي تنصله الصريح من تنسيقيات القبائل، تلك التنسيقيات (البروز)التي كان أحد مهندسي فكرتها حين أحتاجت سلطة بورتسودان الانقلابية إلى واجهة اجتماعية تُعيد بها ترتيب أوراقها في الهامش. ولم يكن هذا التنصل سوى نعيٍ متأخر لمشروع تآمري هشّ، بُني على الوهم والتضليل.
لقد أغدقت حكومة الإنقلاب من مقر هروبها ببورتسودان أموالاً طائلة على أفراد ساقطين أُستُدعوا إلى هناك بهدف إحداث إختراق مجتمعي وعشائري لقبائل غرب السودان، وبشكل خاص قبيلتي الرزيقات والمسيرية. ولا غرابة في هذا المسعى البراغماتي النخبوي بإمتياز، فالجيش الذي تسيطر عليه عقلية نخب المركز لم يخض في كل حروبه ضد مكونات و شرائح الشعب السوداني يومًا حرباً بمفرده، بل لطالماً إعتمد على هذه القبائل كخزان بشري يمده متى إرتأى بالمقاتلين و المناصرين، من حروبه في الجنوب إلى دارفور إلى جبال النوبة.إن تنصل الكباشي من تنسيقيات القبائل لم يكن نابعًا من فراغ، بل جاء بعد الفشل الذريع لمشروع الاختراق و تحييد أبناء تلك القبائل لمصلحة الجيش ومليشياته المؤدلجة، مع فقدان الأمل في إعادة فتح خزانات الهامش لتغذية مشروع الحرب المركزية ضد الهامش, خاصة وأن كردفان ودارفور تكادان تكونا قد (اتمصلتا) من قبضة حكومة بورتسودان تماماً، بفعل الانتصارات المتتالية التي حققتها قوات -الدعم -السريع خلال الفترة الماضية.لكن المشهد الأكثر قبحًا و بؤساً، لم يكن في تملص الكباشي من هؤلاء الأفندية الفلول الذين صنعهم فحسب، بل في وقوف ممثلي تلك التنسيقيات الهلامية إلى جانبه، وقد إرتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات مؤامرة و إبادة و تجريد هوية وعزل وحرمان لمجتمعاتهم، بيد نخب المركز التي لم تقدم لهم كمحصلة سوى الذل والنكران والتجاهل و الإستحقارالذي يستحقونه, وهو ما يجعلهم نموذجًا ساطعًا للعقوق السياسية والمجتمعية، ينطبق عليهم المثل القائل: “من خان جذوره، سقط كغصنٍ يابس، لا ظلّ له ولا ثمر”.
إن خطورة هذا المشهد الخائس, البائس لا تكمن فقط في إنشاء التنسيقيات وإستدعاء رموزها الساقطين، بل في قبول هؤلاء أن يكونوا أدوات مؤامرة وغطاءً سياسيًا لصفقة خاسرة ضد مجتمعاتهم التي يدّعون تمثيلها.هذا لا يفضحهم أمام قبائلهم و مجتمعاتهم فحسب، بل يكشف عمق الاختراق الذي أحدثته النخب المركزية في بعض عقليات الهامش “المتنوخبة”.
لقد نعى الكباشي عمليًا هذه التنسيقيات المتآمرة ضد جذورها بعد أن عجزت في تنفيذ ما وعدت به أسيادها النخب، وهو أمر مبشّر،ومؤشر يكشف عن بداية تعافٍ سياسي في جسد الهامش العريض، الذي بدأ يعيد الاعتبار لنفسه ويأبى أن يكون أداة بيد النخب بل صاحب مشروع و رؤية قادر على التحديد الدقيق لمن باعوا قضاياه على موائد المركز،.لقد آن أوان القطيعة الكاملة مع “المتنوخبين” من أبناء الهامش,فالمعركة لم تعد فقط ضد نخبة المركز، بل ضد أولئك الذين تسللوا من بيننا غدراً و خيانة إلى بورتسودان، رافعين راية المتاجرة بمصائرمجتمع الهامش بأبخس الأثمان، في سوق نخاسة النخب المركزية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.