بين دِفتي (تسليم المطلوبين).. ومقاضاة الأمارات.. إزدواجية معايير (بورتسودان) في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية..

تقرير – عين الحقيقة
قرار محكمة العدل الدولية أمس في دعوى حكومة (بورتسودان)، وإن لم يأتِ في سياق أمنيات الأخيرة، إلا أنه فتح باب العدالة الدولية على مصراعيه، وأثارة تساؤلات بشأن المعايير التي تصادق بها الدول وتوافق على نصوصها القانونية، ومدى الاعتراف بشرعية (المحكمة الدولية) ونفاذ قراراتها، وهل من الممكن أن تنتقي (دولة) من القوانين بما يتوافق مع أجندتها الخاصة.. أم أن (الاعتراف) يجب أن يكون مُلزماً كونك شاكياً أم مشكو ضده..؟
محكمة العدل الدولية حسب الديباجة التعريفية تختص بالنزاعات بين الدول وانتهاكات المعاهدات الدولية، السودان والإمارات من بين الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها لعام 1948م، بناء على ذلك تقدمت (بورتسودان) بشكوى ضد الأمارات، التي امتثلت لقرار المحكمة وقدمت مرافعتها القانونية حيال الشكوى، حيث يرى قانونيون أن (القضية) وإن لم تكن منطقية الدفوعات القانونية، إلا أنها عبّرت عن شكل متقدم من أشكال التقاضي والانصياع للإرادة الدولية والقوانين الأممية، ويذهبون إلى أن ذات الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية الذي مارسته حكومة (بورتسودان) تجاه الأمارات، لماذا لم تعتمده في مواجهة مطالبات المحكمة بتسليم مرتكبي جرائم الحرب في دارفور؟

قانوني: السودان وقع مذكرة تفاهم مع المحكمة تتعلق بتقديم المساعدة في التحقيقات التي تجريها المحكمة بالنسبة للمطلوبين في جرائم الحرب، إلا أن حكومة (بورتسودان) ساهمت في إفلاتهم من العقاب

تفيد تقارير أنه (في العام (2021) قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية (فاتو بنسودا)، إنها ناقشت مع المسؤولين السودانيين تسليم المطلوبين للمحكمة، وأكدت وقتها أن معظم ضحايا جرائم دارفور يطالبون بتسليم المتهمين للمحكمة، واعتقال ونقل المتهمين بجرائم دارفور مسؤولية تقع على عاتق الحكومة)..
القانوني سعدالدين محمد ذهب إلى أن مفاهيم المصادقة والموافقة وُضعت في التشريعات الدولية من أجل إتاحة الفرص أمام الدول لتوفيق القوانين حسب قوانينها، ومعتقداتها، بالرغم من أن بعض الدول تحاول التحايل على القوانين من خلال (الموافقة والمصادقة)، لكن في رأيي أن المسؤولية ليست في الموقف تجاه القانون، بل في احترام المؤسسة العدلية الدولية، وبالرغم من أن السودان وقع مذكرة تفاهم مع المحكمة تتعلق بتقديم المساعدة في التحقيقات التي تجريها المحكمة داخل البلاد وتقديم ونقل المشتبه فيهم بالنسبة للمطلوبين في جرائم الحرب، والذين صدرت أوامر قبض بحقهم، إلا أن حكومة (بورتسودان) ساهمت في إفلاتهم من العقاب.
المحامي والمختص في القانون الدولي محمد الفاتح يتفق مع سابقه مضيفاً: الإرادة الدولة أتفقت على صيانة الأنسان وحمايته من الانتهاكات، الأتفاق مُلزم في رأي لكل حكومة رشيدة تحترم شعبها وتقف إلى جانب حقوقه الإنسانية في الحرية والحماية القانونية، وقطع الطريق أمام الانتهاكات والقتل والتصفية خارج أطار القانون، بدلا من البحث عن مبررات كما ذهب مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس في رده حول تسليم المطلوبين للعدالة بقوله: (التعاون الشامل والكامل يقتضي إكمال عملية المصادقة على نظام روما المؤسس للمحكمة، وأن الحكومة تتعامل مع المحكمة مثل أي منظمة حكومية دولية أو بعثة دبلوماسية، دون وضع قيود على الاتصالات والتنقلات والأنشطة التي تقوم بها).

محكمة العدل الدولية منذ عام 2009، ظلت تطالب بمثول  عمر البشير ونائبه في الحزب أحمد هارون ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية..

ويمضي (الفاتح) إلى أن محكمة العدل الدولية استندت في حكمها التاريخي برفض الدعوى المقدمة من الجيش السوداني، ضد دولة الإمارات وشطبها، إلى مبدأ راسخ في القانون الدولي، مجسد في نظامها الأساسي وهو عدم الاختصاص، من ثم شطب الدعوى كأن لم تكن، ولتغلق الباب بذلك أمام المسار القضائي للدعوى، وينتهي ما ترتب عليها من آثار قانونية، السؤال هنا، هل المرافعة التي تقدمت بها دولة الأمارات، والمداولات التي أفضت للقرار مقنعة لـ(بورتسودان)؟ الأجابة بـ(نعم) تعني الاعتراف ضمنياً بسلطة المحكمة والتي بدأت فعلا بتقديمها للشكوى، الأجابة بـ(لا) تعني أن الشكوى لها دواع أخرى غير قانونية، والهدف منها إثارة الرأي العام.
الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية منذ عام 2009، ظلت تطالب بمثول الرئيس المعزول عمر البشير ونائبه في الحزب أحمد هارون ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إضافة إلى القائد السابق في حركة العدل والمساواة عبد الله بندا، المتهم بجرائم حرب.

حكومة (بورتسودان) وإن اعترفت بالجهة العدلية التي أنكرها (الجنرال) البشير، تظل المكاييل مختلة في تعاملها مع المنصة الحقوقية لقضايا حقوق الإنسان

نصت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة (على أن شعوب الأمم المتحدة آلت على أنفسها تبيان “الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي”، ولذا لم يزل تطوير القانون الدولي واحترامه جزءا رئيسيا من عمل المنظمة).. في العام (2009) قام الرئيس السابق عمر حسن البشير بطرد منظمات الإغاثة وبعض الدبلوماسيين الأجانب في إحدى خطاباته بولاية شمال دارفور بعد أربعة أيام من قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيفه بتهم ارتكاب جرائم حرب في الإقليم. وقتها قال إن “قضاة المحكمة ومدعيها العام تحت جزمتي (حذائي).
أعلن النظام السابق تحديه للمحكمة الدولية، ودعم مسلسل الإفلات من العقاب مما مهدّ لمزيد من الانتهاكات والجرائم المرتكبة حاليا في السودان، حكومة (بورتسودان) وإن اعترفت بالجهة العدلية التي أنكرها (الجنرال) البشير، تظل المكاييل مختلة في تعاملها مع المنصة الحقوقية لقضايا حقوق الإنسان، وتنتقي قضاياها التي يجب أن تفصل يفصل فيها القانون.. تُرى، هل تمضي حكومة (بورتسودان) في اعترافها بالمحكمة الجنائية الدولية، وتقوم بتسليم المطلوبين الذين توفر لهم الحماية..؟ أم أنتهى (الاعتراف) بقرار شطب الدعوى..؟

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.