تقرير إخباري حول أهداف الضربات الجوية التي استهدفت مدينة بورتسودان ٦ مايو 2025

بقلم: عباس احمد السخي

في تطور عسكري لافت ينذر بتصعيد نوعي في مسار الحرب السودانية المستمرة منذ أبريل 2023، نفذت قوات الدعم السريع سلسلة ضربات جوية استهدفت مواقع حيوية داخل مدينة بورتسودان، التي تُعدّ حالياً العاصمة الإدارية الفعلية للحكومة الانتقالية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. وتأتي هذه الضربات بعد أشهر من الجمود السياسي والميداني، ما يؤشر على تحوّل استراتيجي في تكتيكات الدعم السريع، وتحديداً في ما يتعلق بترسيم ساحات القتال ونقلها من الأطراف إلى العمق الحيوي للنظام الحاكم.

تصعيد مدروس بعد فشل المسار التفاوضي
بحسب مصادر مطلعة داخل قيادة الدعم السريع، فإن هذا التصعيد جاء بعد قناعة راسخة لدى قيادتها بأن حكومة البرهان لا تبدي أدنى رغبة في الدخول في مفاوضات جدية لإنهاء الحرب، بل تسعى إلى إطالة أمد الصراع عبر حشد الدعم الإقليمي والدولي وتثبيت سلطة أمر واقع من داخل بورتسودان. هذا الإحباط دفع قوات الدعم السريع إلى اتخاذ قرار استراتيجي بنقل الحرب إلى “مناطق حساسة ومؤثرة” تمس مصالح الطبقة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تسيطر على مفاصل الدولة، وتحديداً في مدينة بورتسودان ومحيطها.

استعراض لقدرات التدمير وإعادة توازن الرعب
تؤكد الضربات الأخيرة ما وصفه محللون بأنها “محاولة جدية من الدعم السريع لإبراز قدراته التدميرية” وموازنة ما يعتبره تفوقاً جوياً لحكومة البرهان. فالضربات الجوية التي استهدفت مستودعات وقود ومنشآت حيوية في الميناء والمطار لم تكن عشوائية، بل محسوبة بدقة لإرسال رسالة مزدوجة: الأولى للخصم بأن الدعم السريع ما زال يحتفظ بزمام المبادرة، والثانية لحلفاء الحكومة بأن أي دعم إضافي قد يقلب الطاولة على الجميع.

الحصار الجوي والبحري: استراتيجية لخنق الحكومة
أحد الأهداف الجوهرية لهذا الهجوم يتمثل في تعطيل المجال الجوي والبحري المحيط ببورتسودان، في محاولة لعزل حكومة البرهان عن العالم الخارجي وحرمانها من الإمدادات والشرعية السياسية. هذا النهج يعكس فهماً عميقاً لطبيعة الصراع، حيث تعتمد الحكومة بشكل كبير على شحنات الإمداد القادمة من الخارج عبر الميناء والمطار، فضلاً عن التنقل الجوي لكبار مسؤوليها. وبهذا المعنى، فإن هذه الضربات تُعتبر خطوة استباقية لإضعاف تماسك المنظومة الحاكمة وتفكيك بنيتها اللوجستية.

تدمير البنية التحتية: تكتيك لتقييد الحركة وكسب التفوق الميداني
ضرب مستودعات الوقود ومراكز تخزينه كان قراراً استراتيجياً يهدف إلى تقليص قدرة القوات الحكومية على المناورة والتنقل بين الجبهات، خاصة في ظل اتساع رقعة الاشتباكات وتعدد المحاور. وبالمقابل، تحتفظ قوات الدعم السريع بمرونة كبيرة في خطوط إمدادها، لا سيما في غرب ووسط السودان، ما يمنحها ميزة نسبية على الأرض. هذا التفاوت في القدرة على الحركة من شأنه أن يعيد ترتيب موازين القوى العسكرية على المدى القريب.

اثر الضربات على المدنيين واعادة تشكيل الرأي العام المؤيد للحرب
رغم الكلفة العالية التي تكبدها المدنيون نتيجة هذه الضربات، خاصة من ناحية تعطيل الخدمات الأساسية وتهديد سلامة البنية التحتية، إلا أن قادة الدعم السريع يرون أن هذه “الصدمة التكتيكية” ستؤدي في النهاية إلى إحداث تغير نوعي في المزاج الشعبي، خصوصاً لدى الفئات التي ما تزال تساند خيار الحسم العسكري ضد الدعم السريع. فإن وصول أهوال الحرب إلى المدن الآمنة، سيدفع قطاعات واسعة من السودانيين إلى إعادة التفكير في كلفة الحرب ومنطق استمرارها.

بورتسودان لم تعد بمنأى عن الحرب
تُعدّ النقطة الأخيرة في هذا التصعيد بالغة الدلالة: إذ ساد اعتقاد واسع داخل الحكومة الانتقالية وداعميها بأن انسحاب الدعم السريع من الخرطوم ووسط السودان، وانحسار وجوده في دارفور وكردفان، يعني أن الحرب باتت محصورة في “الهامش”، وبالتالي لا تمس النخبة ولا المناطق المركزية في شيء. غير أن الهجمات الأخيرة قلبت هذا التصور رأساً على عقب، وجعلت من الشرق – وتحديداً بورتسودان – ساحة حرب مباشرة، ما يعني أن البلاد كلها باتت مرشحة للانزلاق إلى هاوية طويلة الأمد، ما لم تُتخذ خطوات جادة لوقف النزاع وإنهاء الحرب فوراً.
خاتمة
تشير المعطيات إلى أن الضربات الجوية على بورتسودان لم تكن عملاً تكتيكياً معزولاً، بل تجسيداً لتحول استراتيجي في مقاربة الدعم السريع للحرب. الرسالة التي أرادت القيادة إيصالها واضحة: لا أحد في السودان محصّن من نيران الحرب، وأن استمرارها لن يجلب النصر لأي طرف، بل الدمار للجميع. وفي ظل غياب أفق تفاوضي حقيقي، يظل شبح التصعيد والانهيار الشامل هو السيناريو الأكثر ترجيحاً.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.