مدينة الفاشر بين مطرقة الحصار وسندان المجاعة التي تلوح في الأفق

الفاشر – عين الحقيقة

تعيش مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، في أزمة إنسانية وأمنية خانقة، نتيجة لتفاقم المعارك العسكرية بين قوات الدعم السريع من جهة، والقوات المشتركة والجيش والمستنفرين من جهة أخرى، وسط حصار خانق مستمر من قبل قوات الدعم السريع لأكثر من “18” شهراً، وبينما تحتدم المعارك في أطراف المدينة وفي الأحياء السكنية، تدهورت الأوضاع المعيشية بشكل مريع، ويواجه المواطنون الذين لم ينزحوا للقرى والمحليات المجاورة التابعة للفاشر، تحديات كبيرة تهدد بقائهم داخل المدينة في هذا الظرف العصيب.

وتصاعدت المعارك في الفاشر مؤخراً تصاعداً خطيراً في حدة الاشتباكات بين الجيش والمشتركة، والمقاومة الشعبية في مواجهة الدعم السريع، حيث تسعى قوات الدعم السريع إلى إحكام سيطرتها على المواقع الحيوية، بالضغط على القوات المشتركة والجيش، وفي السياق قال أحد مواطني الفاشرلصحيفة “عين الحقيقة” إن المعارك دوماً تتركز حول المواقع الاستراتيجية للجيش، والأسواق التجارية، والأحياء السكنية بالقرب من محيط السوق الكبير “حجر قدو” بالإضافة إلى أطراف أحياء شمال وشرق وجنوب السوق؛ ما أدى إلى نزوح آلاف الأسر من هذه الأحياء إلى مراكز إيواء مؤقتة بالمحليات الجنوبية والغربية، التي تعاني من اكتظاظ ونقص حاد في الخدمات.

وبحسب مواطنين من الفاشر أن الأطراف المتقاتلة مستمرين في المعارك باستخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وسط غياب شبه كامل للخدمات الطبية والإسعافية؛ ما فاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في داخل مدينة الفاشر ومعسكرات النازحين في “زمزم، ابوشوك، ابوجا” في وقت عجزت فيه حكومة الولاية المحاصَرة عن توفير الأمن الغذائي لسكان المدينة والنازحين العالقين بالمعسكرات.

وبالأشارة إلى الاطراف التي تقاتل بالفاشر، حيث دخل الالآف من المستنفرين والمقاومة الشعبية في سوح المعارك بالمدينة، وهم مجموعات شعبية من أبناء الفاشر وبعض المحليات الغربية للولاية، وكتائب جهادية تنتمي للحركة الإسلامية، انضموا إلى القوات المشتركة والجيش لمواجهة قوات الدعم السريع، منذ عملية فك الحياد بين الحركات المسلحة وقوات الدعم السريع في العامين الماضين، وشكل المستنفرون من أبناء المدينة والمشتركة والمقاومة الشعبية دفاعات وارتكازات عسكرية وسط الأحياء والأعيان المدنية، لجهة أن المشتركة والمقاومة الشعبية تم تحريضهم من المخابرات العسكرية للجيش للتصدي لقوات الدعم السريع ومنعها من السيطرة على مدينة الفاشر، غير أن دخولهم على خط المعارك زاد من تعقيدات المشهد الأمني بولاية شمال دارفور، مما رفع من وتيرة العنف بالولاية بأسرها.

ولذلك، ما فتئت عاصمة ولاية شمال دارفور، مدينة الفاشر، تحت حصار مطبق لأكثر من “18” شهراً؛ ما جعلها من أكثر مدن إقليم دارفور تضرراً من الناحية المعيشية، باعتبار أن منافذ المدينة الرئيسة، التي تبدأ من طريق الفاشر- نيالا، وطريق الفاشر-الأبيض، كلها مغلقة تماماً أو خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، مما عرقل دخول الإمدادات الغذائية والطبية والوقود.

وفي ضوء ذلك، قال مواطنون من الفاشر لصحيفة “عين الحقيقة” أنه بسبب استمرار المعارك بين الجيش والدعم السريع، ارتفعت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات غير مسبوقة، وعلى سبيل المثال، وصل سعر جوال الدقيق إلى حوالي 2 مليون، وجوال الذرة إلى 300 ألف جنيه، بينما ارتفعت أسعار الوقود بنسبة تجاوزت 400%، إذ وصل برميل البنزين إلى 10 ملايين، وبرميل الجاز إلى 8 ملايين، وجوال البصل إلى 800 ألف.

إلى جانب ذلك هناك غلاء طاحن وندرة منقطعة النظير في بقية أسعار السلع الأساسية والمواد التموينية؛ وأرجع المواطنين الغلاء الطاحن وشح المواد التموينية إلى شلل حركة النقل والتوزيع من وإلى مدينة الفاشر، مشيرين إلى أن المواطنين يقفون في طوابير طويلة لساعات من أجل الحصول على الخبز او الماء، في المطابخ الجماعية والتكايا التي تدعم بتمويل من الخيريين والمغتربين من أبناء ولاية شمال دارفور بالخارج.

ووصف أحد سكان حي الثورة شمال الفاشر أوضاعهم المعيشية بالمزرية قائلاً: “نعيش على حافة المجاعة، لم يتبق لنا إلا القليل من المؤن، والأدوية منعدمة، من يمرض هنا، يموت في الغالب” وعلي الصعيد الإنساني أفادت تقارير إعلامية أن الأوضاع الإنسانية في الفاشر تشهد تدهوراً متسارعاً، وأشارت التقارير إلى وجود آلاف المواطنين داخل المدينة بلا مأوى، يعيشون في تكايا ومدارس ومرافق عامة متهالكة، دون توفير أبسط مقومات الحياة، من ماء صالح للشرب ورعاية طبية جيدة.

وتحدثت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في وقت سابق عن صعوبات وتحديات جمة تواجه المنظمات الإنسانية في الوصول إلى المدينة، نتيجة للقيود الأمنية وتهديدات الطرق، التي أسفرت عن استمرار المعارك والمواجهات العسكرية بين الجيش والمشتركة والدعم السريع، كما أكدت المنظمات الدولية عن سوء المرافق الصحية في المدينة، فضلاً عن تدهور مستشفى الفاشر التعليمي، والمستشفيات الأخرى التي تعاني من نقص فادح في الكوادر والمعدات، بسبب نزوح الكوادر الطبية، مما أدى لعجز طبي تام في التعامل مع الحالات الحرجة أو المصابين جراء القتال.

وفي سياق متصل، قال أحد الأطباء المتبقين في الفاشر، فضل عدم ذكر اسمه: “إننا نعمل في ظروف مأساوية، لا توجد أدوية، ولا حتى شاش معقم، ولا أكسجين” لهذا، نفقد مرضى وجرحي كان يمكن إنقاذهم بسهولة لو كانت الظروف طبيعية، وفي ظل استمرار الوضع الكارثي الإنساني، أطلقت منظمات المجتمع المدني المحلية، وقيادات أهلية، وفاعلون وناشطون بالمنظمات الوطنية الذين يعملون في المطابخ الجماعية والتكايا من أبناء شمال دارفور، نداءات متكررة إلى الأمم المتحدة، والمنظمات الإغاثية، للتدخل العاجل لإنقاذ الأوضاع الإنسانية في الفاشر لتوفير ممرات إنسانية آمنة لدخول المساعدات، بالضغط على الجيش والمشتركة وقوات الدعم السريع، للسماح بوصول الإغاثة.

ويؤكد ناشطون من أبناء شمال دارفور أن ما يجري في الفاشر من تدهور إنساني مريع، قد يؤدي لحدوث مجاعة طاحنة، في حال استمرت المواجهات بين الطرفين، منوهين إلى أن الفاشر على حافة الانهيار الكامل، مع غياب أفق سياسي واضح، وحلول سلمية في القريب العاجل، ويخشي الناشطون من أن تتحول الفاشر إلي ساحة لتصفية حسابات إقليمية، ودولية يدفع ثمنها المواطنون الأبرياء، وما بين هذا وذاك ثمة تساؤلات لم تبرح أذهان سكان ولاية شمال دارفور، لا سيما “الفاشر” إلى متى سيستمر هذا الجحيم والعبث بحياة الآلاف من المدنيين في مناحي ولاية شمال دارفور، بلا مأوى ولا معيل إنساني ولا منقذ؛ ومتى يستفيق الضمير الإنساني العالمي لنجدة مدينة الفاشر، التي تختنق ببطء تحت أنقاض الحرب والمجاعة الت يتلوح في الافق.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.