حظيت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج (السعودية، وقطر، ودولة الإمارات) باهتمام عالمي واسع، لما تمثّله هذه المنطقة من ثقلٍ اقتصادي واستراتيجي بالغ الأهمية على الصعيد الدولي، سواء من حيث الأصول السيادية أو الاحتياطات الهيدروكربونية. إذ تمتلك دول الخليج أصولاً سيادية تُقدَّر بنحو خمسة تريليونات دولار، وتضمّ ما يزيد على ثلث الاحتياطات المؤكدة من النفط، وثلث احتياطات الغاز الطبيعي في العالم. وهو ما يجعلها لا تُمثّل مجرد لاعب مالي واستثماري عالمي فحسب، بل يمنحها أيضاً نفوذاً سياسياً عميقاً، ويجعل منها شريكاً محورياً في صياغة السياسات الدولية، وفي تعزيز السلم والأمن على مستوى العالم.
في قلب إقليم تتقاذفه رياح النزاعات منذ عقود، وتوشّحه التحولات العميقة التي غيّرت وجه التاريخ، تنهض دول الخليج بقيادة جيل جديد من القادة، جمعوا بين حكمة الأسلاف المستمدة من عمق إرثهم الحاكم، وبين بصيرة نافذة تدرك تعقيدات المشهد الجيوسياسي ومتطلبات العصر المتسارع في تحوّلاته.
هؤلاء القادة لم يقفوا عند حدود إدارة الواقع، بل سعوا إلى تطويعه، فعملوا على مواءمة الداخل مع الخارج، وإعادة توظيف الموارد والثروات ضمن معادلات دقيقة تراعي الاقتصاد، وتحفظ الأمن، وتواكب السياسة العالمية بتوازن رفيع.
وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتفتح صفحة جديدة من الشراكات الاستراتيجية، تتجاوز حدود التحالفات التقليدية، نحو تعاون أكثر رسوخاً وتكاملاً. ومن شأن هذا التحول أن يرسم ملامح مستقبل تُستبدل فيه لغة الصراع بلغة البناء، وتُستعاض فيه معادلات الانقسام بمنظومات ازدهار تعود بالخير على شعوب المنطقة بأسرها.
بقدر ما تملؤنا الغبطة والفخر ونحن نتابع النهضة العلمية والثقافية والسياسية، والتطور التكنولوجي المتسارع الذي تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، لا سيما بعد اتفاقها الأخير على إنشاء مجمّع للذكاء الاصطناعي يُعدّ الثاني عالمياً بعد الولايات المتحدة الأمريكية – ما يجعلها أول دولة في المنطقة وربما العالم تنال ثقة الشراكة في مجال الرقائق الإلكترونية الأمريكية – فإننا نرى في ذلك شهادة واضحة على مكانة الإمارات المتقدمة كلاعب رئيسي في السباق العالمي نحو المستقبل، ونهضة ستثمر لشعبها أجيالاً من الازدهار والاستقرار.
غير أن هذه السعادة، على عمقها، يعتصرها في دواخلنا حزن دفين وأسى مرير على حال وطننا السودان، الذي حباه الله بمقومات لا تُحصى للنهوض والتقدم، ثم ابتُلي -ويا للأسف- بحكم ديني (إخواني) فاسد، جمع بين الاستبداد العسكري والتخلف الأيديولوجي، أجهز على مقدرات البلاد، وأفقر شعبها، ومزّق نسيجها الوطني بالحروب، وزرع العداء مع محيطها، فأعادها إلى غياهب العصور الأولى، محرومةً من نعمة الحكم الرشيد، غريبة عن روح العصر، تائهة في دروب التيه والتخلف.
إننا نحن السودانيين قادرون، بعون الله، ثم بإرادة حرّة لا تلين، على انتشال وطننا من الهوّة السحيقة التي أُلقي فيها، مستندين إلى دعم الأشقاء والأصدقاء، وفي مقدمتهم دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن نتجاوز الكابوس الإخواني/ العسكري الذي جثم على صدر السودان ثلاثة عقود متطاولة، ولا يزال يتربّص في الظل، يسعى لإحياء سلطته عبر فوهة بندقية جيش مختطَف، أضحى أداة رخوة في يد تنظيم إجرامي متطرف، لا يعرف للوطن حرمة، أورد البلاد موارد الدمار.
نملك القدرة على طيّ صفحة الصراع، وفتح باب التعاون والتعافي، على أنقاض الحرب والعداء، نستبدل صوت الرصاص بصوت البناء، ونُعلي من شأن الحوار بدلاً من الاصطفاف. في مقدورنا أن نشيّد دولة حديثة، تنبثق من تنوّعها الثقافي، وتتكئ على مواردها الزاخرة، وتحول موقعها الجغرافي إلى جسرٍ للتكامل والشراكة الحقيقية الاستراتيجية مع محيطها، بما يخلق المنفعة المتبادلة، ويثري شعبها، ويعزّز مكانتها في فضائها الإقليمي والدولي.
وما ذلك بمستحيل، إن نحن رجّحنا كفة العقل، واستنرنا ببصيرة الحكمة، ومضينا بثبات نحو فجرٍ جديد، يبدأ بلحظة الخلاص من طغيان الإخوان وعسكرهم، ويمتد إلى إعادة بناء الوطن على أُسس الحكم الرشيد، المتفاعل مع منجزات العصر، والمنفتح على الفكر الإنساني وحضارته. كما نراه ماثلاً اليوم في التجربة الرائدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادتها الملهمة، ممثّلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي جعل من الرؤية الطموحة واقعاً يتجدّد، ومن الحلم العربي نهضةً تُحتذى.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.