في تطور لافت على صعيد التداخلات الإقليمية في حرب 15 أبريل، كشفت مصادر عسكرية مطلعة عن اتصالات أجرتها ثلاث فصائل من المعارضة التشادية المسلحة بالجيش السوداني بواسطة نافذين في حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، أعلنت خلالها استعدادها للتعاون العسكري مع الجيش في خوض غمار الحرب في مواجهة قوات الدعم السريع، التي تتهمها بورتسودان، بتلقي دعم لوجستي مباشر من الحكومة التشادية.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات بين بورتسودان وإنجمينا، من خلال تبادل غير معلن للاتهامات بدعم كل طرف لمعارضة الطرف الآخر .. وتُعد الفصائل التشادية المسلحة جزءاً من خارطة سياسية وعسكرية معقدة، تعود جذورها لعقود من النزاعات المسلحة التي ارتبطت بأوضاع داخلية وإقليمية متشابكة على الحدود السودانية التشادية.
ويعود تاريخ تأسيس المعارضة التشادية المسلحة، إبان إعلان الاستقلال التشادي في ستينيات القرن الماضي، حينما بدأت الحركات المتمردة تتشكل رفضاً لسياسات الحكم المركزي القابض في العاصمة إنجمينا، في عهد حكم الرئيس الأسبق حسين هبري، ثم بصورة أوسع في عهد حكم الرئيس إدريس ديبي، الذي دخل في نزاعات إقليمية عنيفة مدعومة بحسب الاتهامات المتبادلة بينه وحكومة الخرطوم المؤتمر الوطني آنذاك .. الوقت الذي وصلت فيها المعارضة التشادية المسلحة إلى أبواب القصر الرئاسي التشادي في العام 2008.
وتُعد جبهة الوفاق من أجل التغيير “FACT” من أبرز فصائل المعارضة التشادية المسلحة، التي خاضت معارك عنيفة في مواجهة النظام الحاكم في تشاد، وكان لها دور بارز في المعارك التي أدت إلى مقتل الرئيس إدريس ديبي في أبريل 2021، أثناء قيادته معركة دامية في شمال تشاد في مواجهتها..وانطلاقاً من هذه الواقعة، انتقلت السلطة إلى المجلس العسكري التشادي بقيادة ابنه محمد إدريس ديبي “كاكا”، الرئيس الحالي، مما أثار جدلاً داخلياً وخارجياً حول مدى شرعية الحكومة التشادية بناءاً على تراتبية الهياكل العسكرية
والأجهزة الدستورية المعنية.
وعلى خلفية إنتخاب الجنرال محمد إدريس ديبي للرئاسة قبيل عامين، أعلن إزاء ذلك تسوية سياسية شاملة وفق مبادرة حوار وطني، شملت معارضين سياسيين وفصائل المعارضة المسلحة .. وافقت السلطة المنتخبة في إنجمينا على هذه المبادرة عبر وساطة دولية مقصدها حسم ملف الأزمة السياسية التشادية، إلا أن بعض فصائل المعارضة رفضت الانخراط في المبادرة، معتبرة أنها غير شاملة، ولم تضمن انتقالاً ديمقراطياً حقيقياً، وهو ما دفعها إلى الاستمرار في نشاطها المسلح من قواعد ومراكز عسكرية على حدود دول الجوار، مثل ليبيا وأفريقيا الوسطى، والحدود السودانية التشادية.
وعلى صعيد تأثير الحدود السودانية التشادية على أمن البلدين، أبان أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية فضل حجب اسمه لصحيفة “عين الحقيقة”، أن القبائل التي تنشط على الحدود تسهم في دعم أطراف الفصائل المسلحة، سواء كانت سودانية أو تشادية، انطلاقاً من الروابط الاجتماعية في إقليم دارفور وتشاد، حيث تمتزج امتدادات اجتماعية عابرة للحدود، لافتاً إلى عمق الروابط الاجتماعية بين قبائل الدولتين، خصوصاً قبيلة الزغاوة، التي تتعمق جذورها الاجتماعية في دولة تشاد، وهو ما يمكنه من تقويض الاتفاقيات الرسمية بين الحكومتين بالأخص عملية ضبط الحدود ومنع التسلل المسلح.
وفي سياق متصل بالمشهد العسكري للمعارضة التشادية المسلحة، أوضح العقيد بالمعارضة التشادية “يحيى بخيت آدمو” أن التواصل بين الجيش السوداني وقادة من فصائل المعارضة التي لم يُكشف عن أسمائهم حتى الآن تمت بحكم الترابط العشائري بين القبائل الحدودية من ناحية، وسعياً لتحقيق المكاسب المالية للفصائل من ناحية أخرى، مشيراً إلى أن هذه الفصائل المذكورة في السياق تسعى لإبرام اتفاقيات سرية لإقامة مشروع ارتزاق بين الجيش السوداني وفصائل المعارضة بشكل رسمي، منوهاً إلى أن الاتصالات التي تمت في السابق بين المعارضة التشادية وضباط الجيش السوداني كانت تدور حول تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الطرفين في الحدود وداخل الأراضي السودانية.
ويواصل العقيد آدمو قائلاً: لصحيفة “عين الحقيقة” إن الجيش السوداني يبحث في الوقت الحالي عن تعاون عسكري يُشكل تحولاً استراتيجياً في ميزان القوى العسكرية في الحرب الجارية في مواجهة قوات الدعم السريع في الحدود السودانيةـ التشادية.
وبالنظر لتعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي بين السودان وتشاد، أعتبر مصدر مطلع في استخبارات الجيش التشادي أن هذه الخطوة لا تخلو من رسائل سياسية موجهة إلى النظام التشادي، لا سيما الرئيس الحالي محمد إدريس ديبي، وقيادات الجيش التشادي، مؤكداً أن الرسالة مفادها: أي استمرار في دعم قوات الدعم السريع سيقابله تحرك سوداني مضاد من داخل العمق التشادي، عبر دعم خصوم إنجمينا المسلحين.
وفي السياق ذاته، كشف مصدر الاستخبارات بالجيش التشادي أن رئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، استغل علاقاته القبلية والسياسية في تشاد لتجنيد قيادات عسكرية بالجيش التشادي للدخول في النزاع السوداني، لكن خاب مسعاه وفشل في تحقيق مقاصده بواسطة أقربائه بالجيش التشادي، واضاف “غير أنه نجح في استثمار الغبن والاحتقان داخل المكون العشائري والأسري للرئيس الراحل إدريس ديبي، لافتاً إلى أن الخلافات الأسرية عززت من نجاح حراك مناوي تجاه استقطاب القائد بالمعارضة التشادية يحيى ديلو، شقيق المعارض التشادي عثمان ديلو الذي قُتل في عملية عسكرية نفذها النظام التشادي في الأعوام الماضية.
وفي متصل بالقضية، قال مصدر باستخبارات الجيش التشادي إن رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، يعمل على إختراق الجيش التشادي بمعاونة وزير المالية السوداني د- جبريل ابراهيم، مشيراً إلى أنهم قد كثفا تحركاتهما في العامين الماضيين، مستغلين علاقاتهم القبلية لتفكيك الجيش التشادي، لكن صلابة الجنرال محمد كاكا حالت دون تحقيق مسعاهم، رغم أن آخر محاولاتهم في الإتجاه أن مني أركو مناوي سافر بإيعاز من الجيش السوداني إلى إحدى الدول في غرب أفريقيا لمقابلة جنرالات بالجيش التشادي لفتح قنوات تواصل بينهم والجيش والقوات المشتركة، بدافع التنسيق وخوض الحرب في مواجهة قوات الدعم السريع من المحور الغربي، أي من حدود السودان وتشاد من على تخوم إقليم دارفور.
ويمضي المصدر قائلا: إن محاولات مناوي باءت بالفشل، فلم يبقَى لهم في حركة جيش تحرير السودان سوى توجيه التهم والسباب تجاه حكومة تشاد، متهمين إياها بدعم قوات الدعم السريع.
ومن خلال هذه المساعي العسكرية السرية، يظل الغموض يكتنف مصير تشكيل التحالف الوليد بين الجيش السوداني وثلاثة من فصائل المعارضة التشادية .. بينما يرى البعض في هذه المسعى محاولة أخيرة من قبل الجيش والقوات المشتركة لتقويض النفوذ الإقليمي لقوات الدعم السريع، فيما يحذر آخرون من مغبة الانزلاق إلى صراع إقليمي واسع، يُوظف فيه الأطراف المسلحة كأدوات في حروب الوكالة، في دول لم تذق طعم الاستقرار منذ عقود.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.