حكومة التأسيس: زلزال الهامش الذي أرعب المركز

إسماعيل يونس

كغير العادة في المشهد السياسي السوداني، أُعلنت أول حكومة سودانية بعيدًا عن قبضة العقل السياسي المركزي الذي ظل يتحكم في مفاصل الدولة والقرار الوطني لعقود طويلة.

فور إعلان الهيئة القيادية لحكومة التأسيس وتسمية محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، اندفعت ردود الفعل الصاخبة من قلب المركز، بدءًا من وزارة الخارجية في بورتسودان، مرورًا بمؤسسة القوات المسلحة – التي دأبت على توزيع صكوك الشرعية السياسية و”الوطنية” – وانتهاءً بسيل من التصريحات والبيانات من كيانات وشخصيات سياسية عبرت عن رفضها واستنكارها لما جرى.

كان الأمر أشبه بزلزال سياسي أصاب معسكر بورتسودان بالرعب، وكشف هشاشة المركز أمام إرادة الهامش التي ظنّ كثيرون أنها ماتت أو أُخضعت.

انتصار قوى الهامش وولادة مشروع السودان الجديد:

إن تشكيل حكومة التأسيس يمثل لحظة فارقة في التاريخ السياسي الحديث، وخطوة طال انتظارها من قوى الهامش السياسي والاجتماعي التي ناضلت لعقود من أجل تغيير حقيقي وشامل في بنية الدولة السودانية.

لقد عبّرت هذه الخطوة عن تطلعات شعبية عريضة لإنهاء سياسات الإقصاء والتهميش، واستعادة الحقوق المسلوبة في الخدمات الأساسية والحياة الكريمة. فقد عمدت حكومة بورتسودان إلى معاقبة المجتمعات عبر الحرمان والتجويع والقصف، بغرض إخضاعها وإجبارها على الانخراط في ماكينة الحرب.

لكن الشعوب لم تقف موقف المتفرج. بل دعمت مؤسساتها السياسية والمسلحة، واحتضنت هذا المشروع الجديد بكل ما أوتيت من طاقة وأمل.

وما إن أُعلنت حكومة التأسيس، حتى خرجت المدن في مواكب فرح وترقب، تعبيرًا عن انطلاق فجر جديد.

التحديات أمام الحكومة الجديدة:

أولًا: التحدي الأمني والعسكري
يتصدر قائمة التحديات كيفية حماية المدن والسكان من هجمات الطيران الحربي والمسير التابع لمعسكر بورتسودان، فضلًا عن مواجهة تهديدات عصابات “البراء بن مالك” و”القوات المشتركة”، التي تسعى لإثارة الفوضى وزعزعة الأمن في مناطق سيطرة الحكومة الجديدة.

ثانيًا: التحدي الفني والخدمي
يتعين على الحكومة بناء منظومة خدمات فاعلة في مجالات التعليم والصحة والمياه والنقل، وتوفير الكوادر المؤهلة لتفعيلها، وهو تحدٍ حاسم لاستعادة ثقة المواطن، وترسيخ جدية المشروع.

الطريق إلى الدولة: من الفكرة إلى المؤسسة:

رغم التحديات، فإن بناء مؤسسات الدولة وتأسيس البنية التحتية بات أمرًا ممكنًا، إن توفرت الإرادة السياسية والاستقرار الأمني. فالمشروع السياسي الذي انطلق الآن لا يقوم على مناورات خطابية، بل على أرضية نضالية وتجارب شعبية عريضة.

السودان الجديد.. لقد أصبح الصبح:

إن حكومة التأسيس ليست إعلانًا عاديًا، بل إيذانًا بولادة السودان الجديد، بعيدًا عن قبضة المركز وخطابه الإقصائي. لقد أصبح الصبح، أخيرًا، وآن للناس أن يحلموا بدولة عادلة، تمثلهم لا تستعبدهم.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.