حول مباديء الحلو فوق الدستورية .. تحصين الهوية السودانوية وحماية الدولة التأسيسية.
بالأمس قرأت مقالا رصيناً للكاتب نجم الدين دريسة حول القضايا التي تعتبر من “المسكوت عنها/عليها” مثل تناول العلمانية أو الديمقراطية أو علاقة الدين بالدولة أو جدلية ممارسة الحقوق والواجبات في ظل وطن يشهد تعدد ثقافي وإثني وديني ولغوي مثل السودان وبسببها قامت كثير من الحروب فيه.
وقد أشار السيد دريسة الى هذه المغالطات والجدليات التأريخية المتجدده قائلاً “هنالك أوهام سائدة في مجتعماتنا وتصورات خاطئة مفادها أننا الافضل الاكثر نقاءا والاصفي ايمانا والاكثر تقوي وورعا وملائكية وأن لدينا مهام مقدسة من السماء وفقا لاعتقاداتنا وقناعاتنا الميتافيزيقية وهستيريا هداية الاخرين وجعلهم نسخ متشابهة ….وبالتالي ليس من دور الدولة مغازلة المسلم بلافته بنك اسلامي ولا حتي المسيحي بمصرف مسيحي وكذا الحال مع باقي الاديان وكريم المعتقدات لأن الاقتصاد علم والعلمانية لا تقوم علي الاجناس ولا العقائد فيها توجد اختلافات مذهبية ولكنها لا تؤدي الي القتل علي أساس المذهب لا توجد هذه المشاهد المأسوية في العلمانية” انتهى المقال.
واوافق الكاتب في ما قاله، والحق ان مثل هذه التخرصات والسيموفونايات مثلت حائطا منيعا لبناء الدولة السودانية طيلة العقود المنصرمة عندما وضعت فئة محددة واقلية انتهازية من ابناء الشعب السوداني، الدين كنقيض للديمقراطية واحترام التعددية ، وان قضايا الهوية تعتبر من المسكوت عنها ،وان السودان يمثل امتداد عروبي لمصر او تونس مثلاً والاسلام هو دين الدولة ضاربين عرض العائط باحترام التعددية والديانات والمعتقدات الاخرى وادارة هذا التنوع الاثني والثقافي والديني والاجتماعي الذي يسخر به السودان بدل ان يكون محل قوة وتفاخر صار نِغمة، فقامت النزاعات المسلحة الرافضة لادلجة الدولة وتجييرها لصالح دين معين أو ثقافة محددة وانتهى بنا المطاف الى ما صرنا إليه دولتين وأقاليم متناحرة متناثرة وحرب أستمرت الى عامين كاملين.
ولعل ما يميز التحالف التأسيسي الذي وقع في نيروبي في مارس المنصرم من قبل منظمات مجتمع مدني واحزاب سياسية وفئات نوعية وحركات كفاح والدعم السريع وتجمعات المهنيين والروابط الإجتماعية، وذلك لان هذا التحالف جاوب على القضايا المصيرية المسكوت عليها ومن ضمنها المبادىء فوق الدستورية التي تتطرحها الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو وهي قضايا طبيعية ىتعبر عن شعب كريم يتقاسم معنا الواجبات فكيف نمنعه الحقوق التي تقرها كل الديانات السماوية والمعتقدات.
وتعرف االمبادئ فوق الدستورية ، بأنها حزمة المبادئ الأعلى رتبة ومنزلة من الدستور ، ولا يجوز ولا يصح أن تكون هناك مواد في الدستور تخالفها او تتعارض معها أو تسود عليها، وتكون لها صفة الإطلاق والدوام والسمو ، ومُحصَّنة ضد الإلغاء أو التعديل أو المخالفة ولو بنصوص دستورية. وهذه المباديء العشر تشمل كل من “العلمانية، حق ممارسة الشعوب داخل الدولة السودانية لحق تقرير المصير، الديمقراطية التعددية، الفصل بين السلطات، الاعتراف بالتنوع وحسن إدارته، احترام المواثيق الدولية، اللامركزية، رفض التوجه الدكتاتوري الانقلابي، القوات النظامية، والقوات المسلحة السودانية”.
والناظر لهذه المبادىء العشرة يجد انها موضوعية تحصن هويتنا السودانوية وتعترف بتنوعنا الاثني والثقافي والقبلي وتذخره به على اعتبار انه مقوي لإرثنا ووجدانا المتجذر في الثقافة العروبية/الافريقانية.
واذا ما قوُرنت هذه المباديء ببعض الدساتير كما في دستور دولتي تركيا والهند نجد مفارقة شاسعة وظالمة برغم انهما دول تشكل وجهة للمسلمين ونماذج لدول متقدمة اختارت أساليب محترمةلبناء الدولتين ومؤسساتهما.جمهورية تركيا إحدى دول العالم الإسلامي وتبلغ نسبة المسلمين في تركيا قرابة 97.8% من الشعب التركي وتتبع الغالبية منهم المذهب السني. ولا ينص الدستور التركي على دين رسمي للدولة التركية، بل يكفل حرية المعتقد والدين للمواطنين الأتراك على النحو الذي يرغبونه دون إكراه أو إلزام. وتؤكد المادة(٢) من الدستور التركي ان “الجمهورية التركية جمهورية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون؛ في حدود مفاهيم السلم والعلم والتضامن الوطني والعدالة، مع احترام حقوق الإنسان ونصت المادة (٢٤) من ذات الدستور” لا يُسمح لأحد باستغلال الدين أو المشاعر الدينية أو المقدَّسات، أو إساءة استخدام أي من ذلك بأي طريقة كانت، بغرض مصلحة أو نفوذ شخصي أو سياسي ، أو بغرض إقامة النظام الأساسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو القانوني”.
اما دستور دولة/جمهورية الهند في ديباجته يؤكد ” نحن، شعب الهند، عزمنا على أن نشكل الهند كجمهورية ديمقراطية اشتراكية علمانية ذات سيادة تضمن لجميع مواطنيها:العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ حرية الفكر والتعبير والاعتقاد والإيمان والعبادة؛ المساواة في الوضع والفرص؛ ونشجع لديهم جميعاً الأخوة ضمانا كرامة الفرد ووحدة وسلامة الأمة”. يتميز الدين في الهند بتنوع المعتقدات والممارسات الدينية، تعد الهندوسية هي الديانة الأكبر بنسبة 79.8% ويليها الإسلام 14.2% في حين ان المسلمين حوالي ٢٠٠ مليون والمسيحية 2.3% والسيخية 1.7% اما باقي الديانات والمجموعات 2%.
وأختم تلخيصا على ان مجتمعاتنا بحاجة الى العيش الكريم في هذا الوطن الذي يسخر بتنوعه الاثني والثقافي والديني ، وان الدولة للجميع تحكمها القوانين التي تنظم كل هذا التباين الثقافي والتعدد القبلي والاجتماعي بتقديم الخدمات للجميع وتصان والحقوق والواجبات من دون حجر لأحد أو مكون قبلي أو اثني، او استهداف الناس بناءا على لغاتهم أو الوانهم أو مذاهبهم التعليمية والتربوية او معتقداتهم وايدلوجياتهم المختلفة، فليبقى السودان التأسيسي حاضنة لكل هذا التنوع ولتبقى المباديء فوق الدستورية سلم نعرج به الى فضاء سليم نبني به الدولة الواعدة بسلام ووحدة دون اقصاء لأحد.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.