خطط الإخوان المسلمين لتفجير الأوضاع القبلية وتفتيت النسيج الاجتماعي

بقلم: عباس احمد السخي

 تسجيلات العميد طارق كيجاب نموذجًا
في أعقاب فشل الجيش السوداني بقيادته المتماهية مع تنظيم الإخوان المسلمين في صدّ قوات الدعم السريع خلال الأشهر الأولى من اندلاع الحرب، لجأ التنظيم إلى خطة بديلة، قديمة في جوهرها، لكنها خطيرة في تطبيقها: تفجير صراع قبلي مباشر بين القوات المقاتلة من جهة، والمكونات السكانية في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات من جهة أخرى. كانت الغاية من ذلك خلق حرب أهلية مصغرة داخل الحرب الكبرى، وذلك بإقحام القبائل في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، سوى أنها تتواجد جغرافيًا في رقعة معركة لا علاقة لها بها سياسيًا أو عسكريًا.
وكان العميد طارق كيجاب، أحد الوجوه البارزة المنتمية إلى التيار الإخواني داخل المؤسسة العسكرية، رأس الحربة في تنفيذ هذه الاستراتيجية. فبتسجيلاته الصوتية المتكررة، انبرى الرجل لإشعال الفتن وتغذية النعرات القبلية تحت غطاء “الدفاع عن الأرض والشرف”، وهو خطاب ذو طابع تحريضي فج، لا يخلو من ازدراء لأبناء القبائل ذاتها إذا لم تستجب لتحريضه.
استدعاء النحاس… مشروع فتنة باسم الأرض
بدايات هذه الخطة ظهرت جلية في تسجيلات كيجاب التي استهدفت قبيلة الجموعية. دعاهم الرجل صراحة إلى حمل السلاح ضد قوات الدعم السريع، مدعيًا أنها استولت على أراضي القبيلة. وراح يهتف في تسجيله الشهير: “أين نحاس الجموعية؟ دقوا النحاس!”، وهو نداء ذو دلالة عميقة في الثقافة السودانية التقليدية، يُستخدم لاستنفار القبائل إلى الحرب. كانت الرسالة واضحة: المطلوب هو تحويل الصراع من صراع سياسي-عسكري إلى صراع بين الجموعية وقوات الدعم السريع التي يزعم ان ينتمي أفرادها ينتمون إلى إقليم غرب السودان، في إيحاء عنصري مبطن ومقصود.
لكن قبيلة الجموعية، رغم الضغط، لم تنجر لهذا الفخ، الأمر الذي أثار حنق كيجاب، فاتهمهم بالتخاذل وقلة الرجولة. لم يكتفِ بذلك، بل أعاد الكرّة مع قبيلة البطاحين، داعيًا إياهم إلى التصدي لقوات الدعم السريع باعتبار أنهم يحتلون “أرض الأجداد”. إلا أن البطاحين، برؤية سياسية واجتماعية أكثر نضجًا، اختاروا عقد اتفاق محلي مع قوات الدعم السريع، ضامنًا بذلك بقاء مناطقهم بشرق النيل خارج نطاق الدمار المؤسسي إلى حين انسحاب القوات من تلك المناطق.
الجزيرة: نقل الحرب بغطاء قبلي
بعد انتقال الحرب إلى الجزيرة، حيث تم سحب الفرقة الاولى مشاة من مدينة ود مدني – بتوجيه مباشر من عبد الفتاح البرهان في محاولة لتأمين مناطق الشمال ونهر النيل، وتشتيت القدرات القتالية لقوات الدعم السريع، وبعد توغلها في الجزيرة شرقا وغربا بحث العميد طارق كيحاب في كنانته القبلية فأخرج منها هذه المرة قبيلة الشكرية، وجه رسائله إليها مباشرة مستخدمًا نفس العبارات السابقة: الأرض، الشرف، النساء، داعيًا إلى “دق النحاس”. جراء ذلك استجابت بعض المجموعات القبيلية المغيبة للنداء، فحدثت مواجهات بين أفراد من الشكرية وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها عدد من الأبرياء، في معارك لم يكن يجب أن تُخاض أصلًا.
دارفور وكردفان… التحريض يبلغ ذروته
حين بدأت قوات الدعم السريع انسحابها التكتيكي جزئيا باتجاه غرب السودان، انتقل كيجاب بخطابه إلى مرحلة أكثر تطرفًا. هذه المرة لم يكتفِ بالتحريض ضد الدعم السريع من قبل القبائل في الوسط والشمال، بل بدأ في توجيه خطاب تحريضي للقبائل نفسها التي ينحدر منها غالبية أفراد الدعم السريع. في تسجيل حديث، دعا كيجاب قبيلة “حمر” إلى التصدي لقوات الدعم السريع، مكررًا الأسطوانة ذاتها: “يغتصبون النساء، ينهبون الأرض”، “دق النحاس” في محاولة لإشعال فتنة أهلية في كردفان ودارفور، تمكّن الجيش – ومن خلفه التنظيم الأجرامي – من الاستفادة منها سياسيًا وميدانيًا.
وعي القبائل هو صمام الأمان
الحقيقة التي ينبغي أن تعيها القبائل السودانية، بكافة تنوعاتها، أن هذه الحرب ليست حربها. هي صراع بين تشكيلات مسلحة لها ارتباطات سياسية وأيديولوجية، وان تنظيم الاخوان الذي يقف خلفها لا تهمه مصلحة البلاد ولا وحدة النسيج الاجتماعي، ما استخدام لغة القبيلة، واستدعاء “النحاس” والرموز التقليدية القتالية، ليست إلا أدوات يراد بها تفتيت ما تبقى من بنية مجتمعية متماسكة.
إن ما يفعله أمثال العميد طارق كيجاب هو تنفيذ لأجندة إخوانية سرطانية تهدف إلى تمزيق السودان أفقيًا، بعد أن تم تمزيقه عموديًا. وحين تنقسم القبائل وتقاتل بعضها بعضًا، يسهل حينها على المركز من فرض هيمنته واستمرار سيطرته، حتى لو كان ذلك على أنقاض وطن.
في الختام، فإن رفض القبائل الانجرار إلى هذه الدعوات التحريضية هو الواجب الوطني الأعلى في هذه المرحلة. فالوعي الجمعي، وليس السلاح، هو ما سيحدد مصير السودان في مواجهة مشاريع التفتيت، والإخوان ليسوا سوى رأس رمح في مؤامرة أكبر تُدار بدماء الأبرياء وصراخ المغرر بهم.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.