ديار حمر وتراثُ العِبَرُ ..البرهان دقس ..تركب فوقو بس

✍د. موسى الأمين حمودة

كثير من التراث الثقافي لقبائل دار حمر (والكردافة)بشكل عام يعبر عن مدلولات وأمثال نصوحة ليس فقط للتطريب أو الرقص الجماهيري وانما تشتمل على عبر وحكم وقيم فاضلة وتنبؤات مستقبلية وبعض الاحايين تشتمل على السخرية واللوم ،يمكن ان تُستل من سيمفونية هذا الغناء الشعبي البسيط لا سيما عند أهلنا الحمر الذين يمتازون بتراثهم الطروب ورقصاتهم الشعبية الضاربة في الارث واللونية المتفردة في صياغة المفردات والتعبير ، كرقصة الكدنداي. وأحدى هذه الاغاني هي الأغنية محل الموضوع والمقال التي زاع صيتها وانتشرت بكثافة في الميدياء والتي تقول بعض كلماتها ” حميدتي في المعكسر ..البرهان دقس تركب فوقو بس” وقد تناولوا السيد عبد الله حمدوك في جزئية اخرى من ذات الاغنية بنوع من الفكاهة والسخرية تعبيرا عن موقفه المتماهي والخافت بقضايا الثورة والحرب.

بالنظر لسرديات هذه الاغنية التي ظهرت في فترة بداية الحرب الحالية التي نفذها الجيش في ١٥ ابريل من العام ٢٠٢٣م ضد قوات الدعم السريع، يجد المتابع ان الاغنية بليغة المعنى وعميقة المدلول وشاملة المفهوم وجاءت بلغة رصينة وعميقة، وهم يؤكدون ان البرهان ( دقس )بمعنى انه أوغَلَ في السلطة وفقد المنطق بعدم نظرته للمصلحة العامة للبلاد، فيحذرونه من عواقب ذلك وعليه ان (يركب فوقو بس)أي ان يمضي على غَير هُدًى، لا يُطيع مُرشِدًا، وفي ذات الوقت يؤكدون ان محمد حمدان حميدتي موجود في أرض المعركة ومعسكرات جنوده ووسط قواته يقاتل جيش البرهان الذي دقس وركب المصير المجهول.

أهل القرى والبوادي من ديار أهلنا حمر عموماً تجدهم حاضري البديهة وعالمين بمجريات الشأن العام وعلى دراية بأمور السياسة والسلطة. ولعل المقاصد التي عنوها في هذه الأغنية وذكرهم لاسماء الرموز الثلاث( حميدتي – حمدوك والبرهان) ليس اعتباطاً أو للمجاملة، ولكن واضح من خلال سرديات الاغنية ان محمد حمدان دقلو (حميدتي) في نظرتهم هو رجل مهام ومنضبط وقريب من جنوده وانه رجل عصامي يمتاز بكاريزما القيادة والتخطيط بعكس البرهان الذي فقد البوصلة وورط جيشه في معركة خاسرة، فتهكموا به ساخرين( البرهان دقس .. تركب فوقو بس). البرهان وجيشه لم يفلحوا فقط في النصر في هذه المعركة التي شنوها حين غرة ضد قوات الدعم السريع، وإنما ضيعوا كل فرص السلام والمفاوضات التي كان لها ان تنقذ أرواح الآلاف وتسمح بايصال المساعدات الانسانية للمحتاجين ولا توسع رقعة الحرب.

البرهان دقس في تطبيق اتفاق جده الموقع بين قوات الدعم السريع والجيش في ١١ مايو ٢٠٢٣م وضرب عرض الحائط ببنود هذا الاتفاق وجهود الايغاد والاتحاد الافريقي بدعوة الجنرالين حميدتي والبرهان الى لقاء مباشر في جيبوتي أو اديس ابابا وظل البرهان والجيش يرفضون ذلك ويتمسكون ببند واحد الا بانسحاب الدعم السريع من الاعيان المدنية كنوع من رفض حلول السلام ووقف الحرب.

البرهان دقس وجيشه رفضوا التوقيع على اتفاق اديس ابابا الذي وقعه الفريق اول محمد حمدان دقلو في ٢ يناير ٢٠٢٤م مع تقدم بقيادة عبد الله حمدوك ،يقضي باستعدات قوات الدعم السريع التام لوقف العدائيات الفوري من غير شروط عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة للوصول الى اتفاق وقف العدائيات ملزم للطرفين برقابة دولية ويوفر حماية للمدنيين.

البرهان دقس في تنفيذ اتفاقية المنامة الموقّعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 20 يناير/ كانون الثاني 2024،والتي جاءت بعد خمسة أيام من رفض قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأكيده أنه لا حاجة لأيّ تفاوض جديد، بل يجب تنفيذ نتائج قمة “الإيقاد”، التي عُقدت في جيبوتي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، على نحوٍ طارئ لمناقشة حرب السودان. وخلصت إلى التزام من قائد الجيش وقائد “الدعم السريع” بالاجتماع الفوري ووقف الأعمال العدائية.

البرهان دقس في الذهاب الى محادثات سويسرا في ١٤ أغسطس ٢٠٢٥م تحت رعاية أمريكية وسعودية في جنيف،سويسرا ، ولكن غاب وفد الجيش رافضاً الحضور مبدياً تحفّظات على الدعوة الأميركية لإجراء مفاوضات في جنيف، وعن اختلافه مع الولايات المتحدة في شأن المشاركين.

ولم يدقس البرهان عند هذا المنعطف بل صار يتهم دولاً ويهدد أمنه واتهامها جذافاً وكذبا ولكنها ما انفكت تمطرنا بخيراتها ودعمها الانساني الغير محدود كدولة الامارات العربية المتحدة التي جادت لنا باحتضان الالاف السودانيين الذين لجأو اليها بجانب اغاثة ملايين السودانين في النزوح الذين هجرتهم هذه الحرب التي أشعلها البرهان وكان عبرها يريد القضاء على الدعم السريع في بحر ست ساعات ولكن مشيئة الله أفشلت مساعي البرهان وخاب فأله ودقس وركب فرقو إلى يومنا هذا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.