الضربات النوعية في بورتسودان ومناطق أخرى أجهضت أحلام مصر في سرقة موارد السودان
بقلم عباس احمد السخي
منذ استقلال السودان وحتى يومنا هذا، ظلت السياسة المصرية تجاهه قائمة على نهج ثابت يتراوح بين الاستغفال، الرشوة السياسية، والابتزاز عبر الممسكات الحساسة. لم تنظر مصر يوماً إلى السودان باعتباره دولة شقيقة ذات سيادة كاملة، بل كحديقة خلفية ينبغي أن تُدار بما يخدم المصالح الاستراتيجية المصرية، خصوصاً في مجالات المياه والموارد الطبيعية، وهو ما يفسر محاولات القاهرة المتكررة للتغلغل في الشأن السوداني عبر أدوات عدة.
1. نهج السرقة المقنعة:
تاريخ العلاقات السودانية المصرية مليء بالشواهد التي تثبت أن القاهرة لم تكن يوماً صادقة في تعاطيها مع الخرطوم. منذ اتفاقيات مياه النيل غير العادلة، مروراً بملف حلايب وشلاتين، وانتهاءً بمحاولات الاستحواذ على أراضٍ زراعية ومشروعات استراتيجية، ظل السودان يُدار في العقل المصري كإقليم تابع. أدوات مصر في ذلك تنوعت بين استغفال السياسيين السودانيين بخطابات الأخوة، وشرائهم بمناصب أو دعم سياسي، أو عبر التهديد بمعلومات حساسة وممسكات خطيرة جمعتها أجهزة المخابرات المصرية طيلة عقود.
2. مصر الراعي الحصري للحرب:
ليس سراً أن مصر هي الداعم الأساسي والراعي الحصري للحرب الحالية في السودان. فلقد قدمت دعماً سياسياً واستخباراتياً كاملاً لقيادة الجيش، وأوعزت لهم باتباع “الحمية المصرية” في التعامل مع الثورات الشعبية، وهي حمية قائمة على القمع والتنكيل، تماماً كما جرى في ميدان رابعة ومصطفى محمود في مصر. ولعل ما حدث في فض اعتصام القيادة العامة بالسودان خير مثال، حيث تم نقل الجثث بطريقة لا إنسانية رمي بها عرض النيل. ثم جاء الانقلاب العسكري على حكومة الدكتور عبدالله حمدوك ليكشف عن نسخة سودانية من سيناريو السيسي في مصر، حتى أن بيان الانقلاب الذي ألقاه البرهان تطابق في مضمونه ولغته مع خطاب السيسي عند استلامه السلطة.
3. فشل الانقلاب ومحاولة الإنقاذ المصرية:
رغم البطش الذي مارسه البرهان تجاه الشباب المنتفضين، والذي أدى إلى سقوط نحو 150 شهيداً، لم تستطع سلطته أن تصمد أمام الزخم الشعبي والضغط المتواصل. ومع اقترابه من توقيع الاتفاق الإطاري تحت ضغط الشارع وقوات الدعم السريع، تدخلت القاهرة مجدداً وأوعزت إلى البرهان بعدم التوقيع، واعدة بدعم عسكري مباشر يمكن الجيش من تصفية الدعم السريع. بناءً على هذا الوعد، نُقلت الطائرات المصرية إلى قاعدة مروي العسكرية، لكن الضربة الاستباقية التي نفذتها قوات الدعم السريع هناك أفشلت الخطة المصرية، ووجهت صفعة مباشرة لطموحات القاهرة في الحسم العسكري.
4. الاخوان المسلمين في دور الكومبارس:
صحيح أن الإخوان المسلمين كانوا طرفاً في تغذية الأزمة، لكن دورهم لم يكن رئيسياً بقدر ما كان تكميلياً. فهم شاركوا في إشعال الفتنة أملاً في استعادة نفوذهم، ولكنهم كانوا يدركون تماماً دور المخابرات المصرية في الصراع ولكنهم كانون يعتقدون بانتصارهم في خاتمة من خلال ازاحة البرهان نفسه من المشهد. وهو ذات التصور عند المخابرات المخابرات المصرية الذي يقول بضرب الاخوان المسلمين في المرحلة الاخيرة.
5. محاولة تسويق سودان البرهان:
بعد انسحاب الدعم السريع من الجزيرة والخرطوم في مشهدٍ بدا كأنه هزيمة، بدأت مصر في فرض رؤيتها على الأرض، فأوعزت إلى حلفائها بنقل بعثاتهم الدبلوماسية إلى الخرطوم، وكثفت من تحركاتها لتسويق “سودان البرهان” كأمر واقع. كما شرعت في إنشاء لجان إعادة الإعمار، وتكفلت شركات مصرية بإعادة البناء على أن تتحمل دول خليجية التكاليف، مما يكشف عن أطماع اقتصادية وسياسية واضحة في الهيمنة على مستقبل السودان.
6. الضربات النوعية.. وقلب الطاولة:
جاءت الضربات المفاجئة والدقيقة التي نفذتها قوات الدعم السريع في بورتسودان ومناطق حيوية أخرى لتقلب الطاولة على المشروع المصري برمته. كان وقع هذه العمليات صادماً للنظام المصري الذي لم يتوقع أن تتعرض أهم معاقله اللوجستية والإدارية في السودان لهجوم نوعي بهذا الحجم. مما جعل القاهرة تفقد زمام المبادرة حيث شهدت بام عينها كيف ان الفتق قد اتسع على الراتق، ولكن مصر لا تعجزها الحيلة حيث مباشرة بخطة جديدة وهي الحديث عن التفاوض ووقف إطلاق النار دون شروط، في تراجع تكتيكي بهدف إنقاذ الجيش باعتباره وكيلها المؤتمن في السودان.
خاتمة:
لقد وجهت هذه الضربات النوعية رسالة واضحة بأن السودان ليس تابع جغرافي وسياسي واقتصادي لمصر، وأن قراره لن يُصاغ في مكاتب المخابرات المصرية. الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت قوات الدعم السريع ستعود إلى طاولة المفاوضات، ولكن الثابت حتى الآن أن مشروع السيطرة المصرية على السودان قد تلقى ضربة قاصمة ستُذكر طويلاً في دفاتر التاريخ السياسي للمنطقة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.