إن سَألوك عن عبد الفتاح البرهان، فقل لهم: إنه يائس ومُلتاث، يُوجِّهه كيزان، ويفكّر له كيزان، ومن سيقضي عليه كيزان، وسيُصلّي على جثمانه المؤجَّل الكيزان.
هالني، حقيقةً، كما هال كثيرين، اللوثةُ العقلية والانكسارُ النفسي الذي أصاب سلطة بورتسودان، التي يسيطر عليها ويقودها الكيزان، جرّاء فشلهم الذريع في استعادة حكم السودان، وهزيمتهم القاسية على يد قوات الدعم السريع، التي تمكّنت خلال الأسبوع المنصرم – وما تزال عملياتها مستمرة – من تدمير معظم القواعد الجوية، وترسانة السلاح، ومستودعات الوقود الخاصة بالجيش، وأغلب محطات الخدمة اللوجستية التي تُزوِّد مليشيات وكتائب الكيزان.
هذا الأمر لم يشلّ قُدرات الكيزان العسكرية فحسب، بل شلّ تفكيرهم وأجدب خيالهم، فقرّروا – في خيالهم الجامح الشاطح طبعاً – غزو دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة!!
ولا بأس، فبلادنا تعيش أزهى عصور الخيال السريالي، تفوق أحداث روايات “فرانز كافكا” – أحد روّاد هذا النوع من الخيال الأدبي غير الواقعي – التي يتحوّل فيها البطل إلى حشرة، ولكننا هنا أمام حشرة تحاول التحوّل إلى بطل!
قرأت منشورات عديدة بموقع فيسبوك تناقش خطة غزو الإمارات (الخيالية)، كتبها كيزان البطولات الهوائية، وأصدقكم القول: إنها جعلتني أفقد وقاري، وأرتجّ، وأقهقه، وكدت أَخور من فرط الضحك. وقلت لنفسي: لا بد أن تلك (الجهة) التي تمدّهم بالسلاح، تمدّهم معه أيضًا بـ “الترامادول، والأفيون، والآيس”، وكل مذهِبات العقل والبصيرة.
ولكني تذكّرت أنهم (إخوان)، وفكرهم الذي يعتنقونه كفيلٌ وحده بأن يُذهب العقل مرةً وإلى الأبد.
وقد ظلّوا طوال ثلاثين عامًا حكموا فيها السودان، ساموا فيها شعبه الويل والعذاب، وهم يرفعون شعار: (أمريكا وروسيا قد دنا عذابهما)، متوعدين بغزوهما. فما أشبهُ خيالَ اليوم بخيالِ الأمس، وما أشبهَ البؤسَ بالبؤس!
لا أكتب هذا المنشور محذِّرًا أو ناصحًا لدولة الإمارات الشقيقة، فهم أدرى بأراجيف القوم وخزعبلاتهم، ولا أكتبه من باب الجدية، فأنا أدرى بحال (الكيزان) الذي يدعو للرثاء والشفقة؛ فقائد الجيش لا يستطيع الوصول إلى مكتبه في الخرطوم، دعك من أن يصل إلى أبوظبي.
وإنما أكتبه للترويح عن النفس، وللقارئ/ة الكريم/ة علينا حق، وقد جاء في الأثر: إن القلوب تملّ.
لقد خسروا كل شيء، حتى ما تبقّى من مساحة عقل في جماجمهم، وهذا لا يهم، بل يسعدني جدًا؛
لكن ما يُؤسفني ويُحزنني حقًا هو ما ألحقوه بالشعب السوداني من مآسٍ وأضرار مادية ومعنوية ونفسية؛ فشرّدوا أكثر من نصفه، واعتقلوا من تبقّى بينهم، وأفقروه، وأذلّوه، وأهانوه، حين قرّروا كجبناء رعاديد، أن يحاربوا الدعم السريع داخل المدينة الأكثر كثافة سكانية في البلاد: الخرطوم، والمدن الكبرى الأخرى مثل ود مدني، وبورتسودان، وغيرها، فدمّروا الجسور، والبنايات، وأحرقوا الأخضر واليابس، ونسبوا كل ذلك زورًا وبهتانًا إلى قوات الدعم السريع.
وها هم الآن، في مخابئهم الآمنة، يرتجفون خشية الموت جرّاء القصف بالمسيّرات، ومن مخابئهم تلك يريدون أن يمتطوا ظهور خيولهم لغزو الإمارات!
إنها الهزيمة واليأس، وتضاؤل الأمل في العودة إلى الحكم مرة أخرى على جماجم السودانيين، وهي المجاعة، وقد ثبت أنها، في آخر مراحلها، تنتقل من البطون إلى العقول.
حفظ الله السودان والسودانيين، والإمارات والإماراتيين، من خيال الكيزان وأحلام البرهان.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.