تأملات في ترشيح كامل إدريس لرئاسة الوزراء: الدول المحترمة لا ترشّح من أمثال هؤلاء
✍️ عباس احمد السخي
إن ترشيح الدكتور كامل إدريس لرئاسة الوزراء في هذا التوقيت الحرج من تاريخ السودان لا يمثل فقط سقطة سياسية وأخلاقية فادحة، بل هو أيضاً تعبير صارخ عن حالة الإفلاس الوطني والنخبوي الذي تعانيه القوى الممسكة بحكومة الأمر الواقع، ومحاولة يائسة من قوى مأزومة العبور من خلال واجهات انتهت صلاحيتها.
كما ان الدول التي تحترم نفسها وتحافظ على سمعتها لا يمكن أن تفكر مجرد تفكير في تقديم شخصية تحيط بها شبهات تزوير وفساد دولية مثبتة عبر تحقيق اممي، بل واتهامات موثقة بخيانة الأمانة، كمرشح لمنصب حساس كمنصب رئيس الوزراء. فالأمر لا يتعلق فقط بالسوابق وإنما بمبدأ المسؤولية السياسية والأخلاقية التي تقوم عليها الدول التي تحترم مواطنيها وتاريخها.
كامل إدريس ليس فقط شخصية مثيرة للجدل، بل هو – بحسب تقارير منشورة في دوائر دولية موثوقة – شخص طُرد من منظمة عالمية مرموقة، هي المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، بعد ثبوت تورطه في تزوير أوراق رسمية، تتعلق بتاريخ ميلاده، ووقائع أخرى أفضت إلى خروجه بطريقة مهينة. إن الطرد من مؤسسة دولية بهذا الحجم، وارتباطه بفضيحة موثقة، يجعل من كامل إدريس نسخة غير قابلة للتداول دولياً أو محلياً. وهو ليس فقط فاقداً للمصداقية، بل عبء أخلاقي على أي مشروع سياسي يحاول الترويج لنفسه بوجه نظيف.
الأخطر من ذلك، أن كامل إدريس اضطر بعد طرده إلى التنازل عن مستحقاته القانونية في التقاعد ومعاش ما بعد الخدمة، وهو أمر غير مسبوق في مثل هذه المؤسسات، ويدل على حجم الجريمة التي أُدين بها. فكيف لمن فقد ثقة المجتمع الدولي أن يكون مؤتمناً على بلد يرزح تحت وطأة حرب مدمرة وانهيار شامل؟
وللمقارنة، فإن السودان حين اختار الدكتور عبد الله حمدوك في فترة سابقة، لم يختره بسبب مؤهلاته الأكاديمية فقط، وإنما لأنه يحظي بقبول محلي ودولي واسع، ما ساعد على إحداث اختراق كبير في علاقات السودان الخارجية، وفتح الأبواب أمام الدعم الدولي. أما اليوم، فإن ترشيح كامل إدريس لا يحمل أي قيمة مضافة، بل يُقرأ خارجياً كإشارة إلى تفاقم الانهيار، وعجز القوى المسيطرة عن إنتاج أي بدائل ذات مصداقية.
وقد عبّرت أطراف دولية عديدة، بصورة صريحة، عن عدم اعترافها بالحكومة القائمة في السودان، ووصفت رئيس وزرائها الجديد بأنه “دمية”، ولذلك فهو شخص لا يحظى بأي قبول دولي أو إقليمي، بل أصبح اسمه مرادفاً للفضائح والفشل؟ إن إعادة تدوير أمثال كامل إدريس ليست إلا امتداداً لمحاولات إحياء جثث مجتمعية انتهت فاعليتها.
ولا يخفى على أحد أن القوى المرتبطة بالحركة الإسلامية تحاول استثمار هذا الترشيح كشكل من أشكال التجميل، ولكن تدوير “نفايا” أشخاص فقدوا مشروعيتهم ومكانتهم، لا يصنع شرعية. بل على العكس، فإن كامل إدريس، منذ خروجه المذل من منظمة الملكية الفكرية، لم يجد مكاناً في أي مؤسسة دولية – لا كبيرة ولا صغيرة – وهو اليوم بلا وظيفة، بلا مشروع، بلا قاعدة اخلاقية، ولا حتى مصدر رزق.
إن الرجل لن يضيف إلى المشهد إلا مزيداً من الارتباك، ولن يكون إلا عبئاً جديداً على البرهان وجماعته، الذين فشلوا حتى الآن في كسب أي رهان سياسي أو عسكري. ومن يظن أن بإمكان شخصية بهذا التاريخ أن تكون جسراً للعبور، فهو لا يفهم حجم الخراب، ولا يدرك أن ما أُفسد بالدم والرصاص، لا يُصلح بالتزوير والمراوغة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.