ما الذي دفع حركة العدل والمساواة السودانية لتبني نظام حكم علماني؟

تحليل سياسي – عين الحقيقة

في أواخر أغسطس 2023 م بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أعلنت مجموعة من أبرز القيادات بحركة العدل والمساواة السودانية إقامة مؤتمر إستنثائي للحركة أفضى إلى عزل الدكتور جبريل ابراهيم من رئاسة الحركة وتكليف الدكتور سليمان صندل حقار رئيسا ً للحركة، بالعودة للأسباب والدوافع نجد أن جبريل ابراهيم تولى رئاسة الحركة في العام 2011 عقب إغتيال رئيس ومؤسس الحركة السابق الدكتور خليل إبراهيم والذي قضى دورتين رئاسيتين وبذلك إنتهت فترته الرسمية في رئاسة الحركة بنص النظام الاساسي للحركة وهذه أول الأسباب .

ومن بين الأسباب الاخرى هي أن الدكتور جبريل إبراهيم قد قرب إليه رموز الحركة الإسلامية ومكنهم في مفاصل حركة العدل والمساواة ، بجانب تمكين أسرته وأصدقائه المقربين في الحركة ، حيث دفع بهم في المواقع التنفيذية متجاهلا ً الحرس القديم في الحركة والذي قدم نضالات مشهود لها ، فضلاً عن أن الحركة وأخرين كانوا ضمن تحالف سياسي قد قطعوا الطريق على حكومة الثورة التي يترأسها الدكتور عبد الله حمدوك وبالتالي قطعت الطريق على عملية الإنتقال والتحول المدني الديمقراطي وبالتالي كانت هذه أولى خطوات تصفية ثورة ديسمبر المجيدة والتي أطاحت بحكم الإنقاذ الذي إمتد لثلاثة عقود .

وبعد إندلاع حرب 15 – أبريل تأكد ضلوع قيادات من الحركة بالتخطيط والمساهمة في هذه الحرب رفقة عناصر المؤتمر الوطني التي تتطلع إلي السلطة ، وكل هذه الأسباب المذكورة وغيرها جعلت قيادات في الحركة التوجه لإنقاذ إرث الحركة المجيد ونضالاتها ضد نظام الإنقاذ الشمولي الدكتاتوري، وحركة العدل والمساواة السودانية كانت تتبني الدولة المدنية إلا أنها مع توقيع إتفاقية جوبا للسلام تراجعت الحركة تراجعا مخيفا عن مشروعها وصارت قبلة جاذبة لكوادر الإسلاميين لترتيب أوضاعهم للقضاء على الثورة وعلى الطريق نحو الحل الجذري لأزمة السودان .

المؤتمر الإستثنائي والذي جاء تحت شعار على خطى المؤسس إستطاع إنقاذ تاريخ الحركة وعدم الذج بما قدمته من تضحيات في سبيل بناء دولة المؤسسات والقانون ، وخرج المؤتمر الإستثنائي بتوصيات أهمها إعتذارا شجاعا عن المشاركة في إنقلاب 25 أكتوبر 2021 والذي مهد لعودة فلول النظام البائد وبمباركة من عناصرهم في الاجهزة الأمنية ، كما أكدت الحركة في طرحها الجديد أن الجمهورية الأولى قد فشلت في بناء السودان الموحد وإحلال السلام وإنهاء التهميش والظلم والتفاوت التاريخي وتبنت الحركة تأسيس الجمهورية الثانية على أنقاض الجمهورية الأولى التي فشلت فشلا ذريعاً.

وبالنسبة لتبني الحركة لفكرة النظام المدني الديمقراطي كخيار إستراتيجي لإدارة الدولة موقف أثار تساؤلات القوى السياسية عن لماذا تبنته الحركة ؟ وهنا يمكن القول أن تجارب الحكم المتعاقبة على السودان وتبنيها هوية دينية وعرقية واحدة تسبب في إقصاء ملايين السودانيين وإشعال الحروب وإفقار واسع لمعظم المجتمعات ، فضلاً عن فشل تجارب الحكم المختلفة منذ الإستقلال والتي تميزت بالقمع السياسي والتهميش الإقتصادي وإذلال وإهانة كرامة السودانيين، بجانب السرقة والنهب الممنهج لموارد السودان وثرواته الأمر الذي جعل السودان يخوض أطول حرب أهلية في قارة إفريقيا إنتهت بإستقلال جنوب السودان .

ورأت الحركة من خلال مشروعها السياسي الجديد أن تبني الدين الواحد في دولة متعددة الأديان مع إستغلال وتوظيف الدين لخدمة مصالح النخب الحاكمة فيه ظلم كبير وبائن لبقية مكونات السودان الدينية، لذا رأت الحركة أهمية فصل الدين عن السياسة لضمان حرية الأفراد وممارسة عقائدهم دون فرضها على الآخرين، ومنع إستغلال وتوظيف الدين سياسيا لتبرير الفساد والقمع ومصادرة الحريات، لذا وجدت الحركة أن النظام المدني يحمي كافة المكونات الدينية من ممارسة شعائرها بحرية دون تمييز، حيث أن النظام المدني يضمن المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو العرق أو اللون أو الجهة.

وتبني الحركة للنظام المدني الديمقراطي هو إستجابة لتطلعات الملايين من السودانيين التي خرجت في ثورات عديدة رفضا للإستبداد و الأنظمة الأحادية القمعية ، وبذلك رأت الحركة أنه لابد من القطيعة التامة مع كل الإرث القديم ورفضه والسعى لتأسيس الجمهورية الثانية بعيدا عن الإستبداد الديني والعسكري والإجتماعي والسياسي لبناء سودان الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وهو الضامن الوحيد لتعايش جميع المكونات تحت مظلة المواطنة المتساوية .

ونجد أن مواقف حركة العدل والمساواة الداعمة لقوى التغيير والتي تنادي بهدم دولة 1956 م متسقة تماماً مع أهدافها في إقامة نظام حكم مدني علماني ديقمراطي فدرالي، والتوافق على عقد إجتماعي جديد يؤسس عليه دستور دائم للبلاد عبر أسس الديمقراطية، الحرية، العدالة، المساواة والفدرالية التي يبنى عليها العقد الاجتماعي الجديد، وتعضيد وترسيخ ممسكات الوحدة الوطنية وإحترام وتطبيق مبدأ سيادة حكم القانون والفصل بين السلطات وصيانة مبدأ التداول السلمي للسلطة ، وبالتالي يمكن القول أن حركة العدل والمساواة السودانية وعبر مؤتمرها التأسيسي قد إنتشلت إسم ونضالات وتضحيات الحركة من براثن الإسلاميين والنفعيين ووضعتها في المسار الصحيح الذي يتنى تأسيس السودان الجديد ويتوافق مع تطلعات السودانيين المشروعة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.