بعد انفجار الأوضاع وتبادل الاتهامات .. هل ستقود المواجهة بين المشتركة وحلفاء البرهان إلى نسف إتفاق جوبا؟
بورتسودان - عين الحقيقة
يسود المشهد السياسي في بورتسودان توتراً متصاعداً بين مكونات القوات المشتركة والفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس حكومة الأمر الواقع ببورتسودان، بشأن تشكيل الحكومة الجديدة وتداعيات تعيين د- كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء في الأشهر الماضية.. وفي هذا الصدد تشير مصادر سياسية متطابقة إلى أن الخلافات بلغت مستويات حرجة، قد تهدد بانهيار ما تبقى من التوافق السياسي الهش، لا سيما فيما يتعلق باستحقاقات اتفاق جوبا لسلام، “مسار دارفور” المرتبط بالقوات المشتركة التي تقاتل بجانب الجيش في حرب 15 أبريل 2023.
وطبقاً لمراقبين للمشهد في بورتسودان، فإن الخلاف بين قائد الجيش والقوات المشتركة كاد أن يبلغ ذروته سيما على خلفية تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً للوزراء، دون إجراء مشاورات واضحة مع المكونات المدنية والعسكرية الموقعة على اتفاق جوبا، مشيرين إلى أن هذا التجاوز أثار غضب عدد من القوات المشتركة التي رأت في الأمر قفزاً فوق الاتفاق ومحاولة لعزل أطراف السلام عن دائرة الفعل التنفيذي.
الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح: القوات المشتركة تتعرض لحملة منسقة وممنهجة بدأت منذ أسابيع تستهدف تقويض الاتفاق
وفي سياق متصل، أشار الأمين السياسي لحركة العدل والمساواة، معتصم أحمد صالح، إحد أبرز الحركات الموقعة على اتفاق جوبا والمكون الفاعل في القوات المشتركة، إلى أن القوات المشتركة تتعرض لحملة منسقة وممنهجة بدأت منذ أسابيع تستهدف تقويض الاتفاق، تحديداً ما يتعلق بمسار دارفور، الذي يعتبر حجر الزاوية في مطالب قوى الهامش.
وأفاد صالح في تصريح صحفي، أن المقالات والبيانات التي ظهرت مؤخراً، ومن بينها مقال للكاتبة “رشان أوشي” ، تحتوي على مغالطات صريحة تعكس فهماً قاصراً لاتفاق جوبا، وتُعبر عن نزعة إقصائية تجاه قوى الهامش، بالأخص أبناء دارفور، مشيراً إلى أن هذه اللغة تمهد لشيطنة الاتفاق وإظهاره كصفقة نفعية، بينما هو استحقاق قانوني وسياسي، وقعته الدولة والتزمت به أمام المجتمع الدولي، رافضاً الاتهامات التي تصف اتفاق جوبا بأنه محاصصة إثنية، مشدداً على أن الاتفاق لم يُمنح كمنحة، بل جاء نتيجة نضال طويل وتضحيات باهظة، ويُعد إطاراً لبناء دولة عادلة، مضيفاً أن الاتفاق ليس مكافأة سياسية لقوى الهامش، بل وثيقة إصلاح شامل اعترفت بها الدولة، وشارك في إعدادها شركاء دوليون وإقليميون.
وتابع قائلا: من يسعى لتقويض هذا الاتفاق اليوم، يهدف فعلياً لإعادة إنتاج مركزية القرار وتهميش الهامش، وهذه العودة للخلف لا تبني دولة بل تفتح أبواب الفوضى والانفجار.
معتصم: محاولة تصوير مطالبة أطراف السلام بحقها في المشاركة وفق الاتفاق، على أنها ابتزاز سياسي، قراءة مغلوطة هدفها تخويف الرأي العام والنيل من شرعية هذه القوى..
ويواصل، الامين السياسي لحركة العدل والمساواة في قوله: إن محاولة تصوير مطالبة أطراف السلام بحقها في المشاركة وفق الاتفاق، على أنها ابتزاز سياسي، هي قراءة مغلوطة هدفها تخويف الرأي العام والنيل من شرعية هذه القوى، لافتاً إلى أن بعض التصريحات الصادرة من داخل المؤسسة العسكرية توحي برغبة في تقليص دور شركاء السلام، وفرض أمر واقع يُعيد السلطة إلى النخب المركزية.
وحذر من مغبة التلويح باستخدام القوة لفرض حكومة لا تعبر عن روح الاتفاق، وقال انه يُعد انتهاكاً خطيراً، وقد يُفضي إلى انهيار ما تبقى من استقرار البلاد، منوهاً إلى أن الدولة لا تُبنى بالإقصاء، ولا بالترهيب، بل بالشراكة واحترام الاتفاقات، ومن يُرِيد استعادة الدولة فعلاً، فعليه مخاطبة جذور التهميش، لا العودة لأساليب التخوين.
وفي ضوء ذلك، أوضح محلل سياسي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن الخلافات الأخيرة تعبر عن أزمة ثقة متجذرة بين القوى الموقعة على اتفاق سلام جوبا والقيادة العسكرية التي لا تزال تحتفظ بكامل مفاصل السلطة، وأضاف “تعيين د- كامل إدريس دون مشاورات كافية مع القوات المشتركة يكشف بوضوح رغبة قائد الجيش في تجاوز القوات المشتركة، والتعامل معها كأدوات مرحلية، لا كشركاء حقيقيين.
محلل: قيادة الجيش تتوجس من تحول قيادات القوات المشتركة إلى مركز قرار، خاصة بعد أن كسبت هذه القوات دعماً شعبياً تأييداً إعلامياً، ما يجعلها قادرة على المناورة داخل الساحة السياسية
ويرى المحلل أن قيادة الجيش تتوجس من تحول قيادات القوات المشتركة إلى مركز قرار، خاصة بعد أن كسبت هذه القوات دعماً شعبياً تأييداً إعلامياً، ما يجعلها قادرة على المناورة داخل الساحة السياسية، لافتاً إلى أن الخوف من إعادة توزيع السلطة والثروة هو ما يدفع أطرافاً في الجيش إلى عرقلة الاتفاق تارة، وتشويهه تارة أخرى.
بيد أنه حذر في المقابل على أن أي محاولة لإقصاء موقعي سلام جوبا “القوات المشتركة” ؛ ستفتح الباب أمام صراعات مسلحة جديدة، في وقت لا تحتمل فيه البلاد مزيداً من التفكك.
وفي الواقع، تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه المشاورات الجارية في بورتسودان، والتي تُجرى تحت رعاية قيادة الجيش، وسط مساعٍ للتهدئة بينهم والقيادات السياسية والعسكرية للقوات المشتركة.. إلا أن تمسك كل طرف بمواقفه، وفي صمت تام دون ظهور الخلافات للعلن يجعل الوصول إلى تشكيل حكومة رئيس الوزراء د- كامل إدريس أمراً بالغ الصعوبة ما لم يُعاد الاعتبار إلى أطراف اتفاق سلام جوبا كقوى فاعلة في هذه المرحلة تحديداً.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.