بعد أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع .. هل تحولت الصحراء إلى عمق استراتيجي ونفوذ عابر للحدود؟

نيروبي - عين الحقيقة

في مشهد سياسي وعسكري يُعيد رسم الخرائط الأمنية والسياسية للبلاد، تبرز سيطرة قوات الدعم السريع على الصحراء الكبرى الممتدة بين شمال وغرب دارفور كعامل حاسم يعيد ترتيب موازين القوة في الإقليم، بل وعلى امتداد المنطقة الحدودية المشتركة مع خمس دول .. ويرى محللون ومختصون في الشأن الجيوسياسي أن هذا التمدد، الذي جرى بصمت خلال الأشهر الماضية، يُمثل نقلة نوعية في حلقات الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، قد تتجاوز الاشتباكات إلى عمق المعادلات الإقليمية.

ومن الناحية الجيوسياسية، تمتد هذه الصحراء من أقصى شمال دارفور إلى تخوم الحدود الليبية والمصرية، وتشكل مسرحاً غير مرئي للعمليات اللوجستية والتهريب، حيث تنشط شبكات متعددة الجنسيات في نقل السلاح والوقود والبشر، بعيداً عن أعين الدول التي تتشارك الحدود الصحراوية. ومع انتشار قوات الدعم السريع في تلك المنطقة، تصبح هذه الصحراء عملياً تحت سلطة موازية.

تتشكل حدود إقليم دارفور جغرافياً مع خمس دول هي: “ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، ومصر” ويتحول الإقليم لعقدة جيوسياسية حينما تُحكم السيطرة على صحرائه..

وتتشكل حدود إقليم دارفور جغرافياً مع خمس دول هي: “ليبيا، تشاد، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، ومصر” ويتحول الإقليم لعقدة جيوسياسية حينما تُحكم السيطرة على صحرائه.

ومن وجهة نظر خبراء أمنيين مختصين في النزاعات العابرة للحدود تحدثوا لصحيفة “عين الحقيقة” فإن ما يحدث في الصحراء ليس مجرد تموضع ميداني لقوات الدعم السريع، بل هو تمكين استراتيجي طويل المدى. وأشاروا إلى أن الصحراء كانت تاريخياً فضاءً فارغاً من السلطة المركزية في الخرطوم، والسيطرة عليها تعني امتلاك البوابة الخلفية للسودان.

وعلى صعيد الاستراتيجية العسكرية، يقول خبراء عسكريون إن التحكم في هذه المنطقة يعني القدرة على التأثير في قرارات الدول المجاورة، إذ تتحول الصحراء من مجرد فراغ جغرافي إلى معبر استراتيجي للنفوذ والموارد والرجال.

ويرجح الخبراء أن تكون ليبيا هي الرئة الأولى التي تتنفس منها قوات الدعم السريع، عبر مسارات التهريب التقليدية التي تمر بالكُفرة، حيث يمكن الوصول إلى النفط والسلاح من جنوب ليبيا، والتعامل مع الفاعلين المسلحين هناك، بما في ذلك الشبكات التجارية العابرة للقارات.

ووفقاً لتقرير صادر عن: “المركز الإفريقي للدراسات والبحوث” في وقت سابق، فإن الحدود الغربية مع تشاد تمثل امتداداً تاريخياً لصراعات إقليم دارفور، بالإضافة إلى استفادة قوات الدعم السريع من إقامة علاقات رسمية مع الفاعلين المحليين في دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، ما يُسهل تدفق الدعم وتبادل المصالح.

ما يحدث في الصحراء ليس فقط ذا طابع عسكري، بل اقتصادي بامتياز، خصوصاً في ظل التحركات التجارية غير الرسمية التي تغذّي آلة الحرب..

وتابع التقرير:” إن ما يحدث في الصحراء ليس فقط ذا طابع عسكري، بل اقتصادي بامتياز، خصوصاً في ظل التحركات التجارية غير الرسمية التي تغذّي آلة الحرب، وتمدّ “الدعم السريع” بموارد تتجاوز ما يمكن أن توفره أي جهة رسمية” .

وفي ضوء ذلك، تؤكد تقارير عسكرية ميدانية أن الحركة التجارية العابرة للحدود تعزز الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع بالوقود، وقطع الغيار، والمواد الغذائية، فضلاً عن السيطرة الكاملة على المعابر الحدودية بفرض رسوم مرور وجبايات من قبل نقاط التفتيش التابعة لها، ما يوفر دخلاً مالياً مستقلاً للقوات في الوقت نفسه.

كما تابعت التقارير في الإتجاه ذاته، أن الصحراء يمكن أن تُستخدم كمنطقة لتدريب المقاتلين وتخزين العتاد، بعيداً عن الاستهداف الجوي أو المتابعة العسكرية من قبل الجيش.

فضلاً عن أن تمدد قوات الدعم السريع في المنطقة الصحراوية قد يُنذر بتوسع الصراع من الداخل إلى الإقليم بأسره، بالاشارة إلي ما وردت في تقارير المنظمات الدولية التي تنشط على الحدود، بأن تحول الصحراء إلى ممر آمن للتهريب دون رقابة قوات الدعم السريع، سيُهدد أمن الدول المجاورة، ويفتح المجال للتدفقات غير الشرعية من المرتزقة، والسلاح، والمخدرات.

وفي المنحى ذاته، يخشى خبير أمني فضل عدم ذكر اسمه؛ من أن تستغل بعض القوى الخارجية، وعلى رأسها روسيا عبر شركات أمنية سابقة كـ”فاغنر”، الفوضى في الصحراء لدعم أطراف الصراع مقابل امتيازات اقتصادية، لا سيما في التعدين غير القانوني للذهب.

خبير: الدعم السريع لا يقاتل الآن على الأرض فقط، بل ينسج شبكات نفوذ عابرة للحدود، ومن يملك الصحراء اليوم يملك مفاتيح دارفور وكردفان..

وانطلاقاً من الواقع الميداني، يلفت الخبير إلى تراجع قدرة الجيش على استعادة المبادرة في جبهة الصحراء، لانشغاله في جبهات أخرى لصد هجمات قوات الدعم السريع في الخرطوم ووسط البلاد. مشيراً إلى أن “الدعم السريع”، بالمقابل، استطاع تسجيل حضور طويل الأمد في إقليم دارفور عبر السيطرة على المداخل الصحراوية.

ونوه إلى أن الدعم السريع لا يقاتل الآن على الأرض فقط، بل ينسج شبكات نفوذ عابرة للحدود، ومن يملك الصحراء اليوم يملك مفاتيح دارفور وكردفان غداً. مضيفاً: “في ضوء هذه التطورات، تبدو دارفور مرشحة للتحول إلى منطقة نفوذ إقليمي مفتوح، تقف فيها الدولة على الهامش، وتلعب فيها قوات الدعم السريع الدور المحوري”.

وتشكل سيطرة قوات الدعم السريع على المعابر الحدودية لدول الجوار السوداني نقطة تحول جديدة لاستعادة علاقاتها الإقليمية بصورة تمنحها زمام المبادرة العسكرية والسياسية، لتأسيس شبكات مكاسب استراتيجية بالمنطقة، لا سيما على المعابر الحدودية الغربية بين دول الجوار السوداني الخمس، “ليبيا، تشاد، مصر، افريقيا الوسطي، وجنوب السودان” .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.