غرب كردفان .. طفولةٌ بائسة وثروة بشرية مهدرة ومستقبلٌ مظلم
الفولة – عين الحقيقة
مع تصاعد وتيرة الحرب وإنسداد الأفق، شكا مواطنون في محليات مختلفة من ولاية غرب كردفان، من آثار توقف العملية التعليمية مؤكدين على عواقبه الوخيمة والمدمرة على مجتمعات الولاية حاضراً ومستقبلاً ، وكان قطاع التعليم قد بدأ في التدهور منذ أمدٍ ليس بالقريب، وتعود البدايات الفعلية للتدهور إلى النصف الاول من العقد الأخير للألفية الثانية عندما إمتدت أيادي الحركة الأسلاموية للعبث بهذا القطاع الحيوي حيث عقدت مؤتمرها الزائف، الذي أسمته زوراً وبهتانا بمؤتمر التعليم في 1994م والذي تمخض عنه خفض ميزانية وزارة التعليم لصالح مشروع عسكرة المجتمع، وترتب على ذلك تغيير السلم التعليمي والمناهج الدراسية، وتحويلها إلى مناهج تلقينية قاتلة لملكات الخلق والإبداع والإبتكار .
ومع إستمرار التدهور وتقليص الإنفاق على التعليم، تردت العملية التعليمية برمتها حتى توقف الإنفاق في أواخر سنوات الإنقاذ الكالحة تماماً إلاَّ من مرتبات المعلمين، فتعاظمت الرسوم المفروضة على آباء الطلاب والتلاميذ فأصبح التعليم عبارة عن سلعة يشتريها الآباء وأولياء الأمور، مما أدخل الأسر في فقرٍ غير مسبوق .
وبعيداً عن محاولات حكومة الفترة الإنتقالية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك الناجحة في إصلاح العملية التعليمية ، بالرغم من كل عراقيل قوى الردة وفلول النظام المباد ، ولم تكتفي الحركة الإسلاموية بها فدبرت انقلاب اكتوبر ثم صعدته الى إشعال حربها الجائرة ضد السودان والسودانيين فتوقف التعليم بشكل نهائي .
وفي السياق يقول رئيس لجنة الطوارئ والخدمات بمنطقة (فج الحلا) الاستاذ نزار اسحق ادم عوض : دفعت منطقتنا ثمناً باهظاً مثلها ومثل كل مناطق النزاعات والحروب فقد تأثرت كل مدارس المنطقة دون استثناء بتخريب وصلت نسبته (100%) ومهما حاولنا مواصلة التعليم بالجهد الشعبي إلا أننا فشلنا، وباءت كل محاولاتنا بالفشل الذريع والنتيجة : فإن جميع الأطفال في سن التمدرس في الثلاث مراحل (التعليم العام) ارتدوا أميين خصوصاً تلاميذ مرحلة الاساس ومرحلة ما قبل المدرسي .
ويضيف الاستاذ نزار : وهذا يعني ضرورةً تعاظم نسبة الأمية وإرتداد المجتمع الى ما قبل التعليم الحديث ، فيما يشير حسين سليمان عريدة ذو الأسرة الواسعة 27 فرداً (أربع نساء) وهو من أعيان منطقة (فج الحلا) : لقد نلنا قسطاً من التعليم وأعددنا العدة لتعليم أبنائنا إلا أن الحرب حالت دون هذا التطلع والطموح فنحن متعلمون وأبنائنا أميُّون وهنا يكمن البؤس والحسرة .
فيما يري شيخ المنطقة الحاج المنزول أحمد محمد : كانت مدرستنا مختلطة يتتلمذ فيها حوالي (300 الى 320 ) تلميذة وتلميذ، أما الآن فهي عبارة عن ساحة فارغة فقد تعرضت للنهب والتخريب بالكامل، وعجزنا عن تشييدها نسبة لإنعدام الأمن إلى جانب تفشي الفقر والعوز بين المواطنين فالحرب أفقرت المجتمع كله، وكل يوم تتعاظم الاحتياجات لدي أفراد المجتمع، وبصورة مضافة لدى النازحين رغم أن النازحون قد أنخرطوا في اعمال الزراعة (المطرية التقليدية) ولكن تنقصهم المعينات والمؤن، فلا سبيل للتعليم .
وفي ذات المنحى يناشد الشيخ المنزول الاسرة الدولية والمنظمات الانسانية للإلتفات لهذه البقعة المنسية من السودان، مؤكداً على عدم وصول أي مساعدات انسانية لإنسان المنطقة منذ اندلاع الحرب وإلى الآن ، بينما يشير الخبير الاقتصادي حمدان ابراهيم دقس :الى خطورة الاوضاع الامنية وانتشار المتفلتين الذين ينتحلون اسم الدعم السريع مقوضين كل الجهود المبذولة لتوفير قدر من الامن سواء للمدارس أو غيرها، لكن هذا ليس كل شيء وانما هناك ما يعرف بالتفكك الاسري نتيجة طبيعية لإستمرار الحرب، ويشير حمدان إلى ان هذه الاوضاع ستظل مستمرة بل وستتعاظم إلى أن تضع هذه الحرب أوزارها ويعم السلام والاستقرار .
وما يبن هذا وذاك يجب أن لا نُملَّ تكرار دعوانا للإسراع في وقف هذه الحرب اللعينة ومن هنا تجدر الاشارة إلى ترحيب المجتمعات السودانية الحار، والإستبشار الواسع النطاق بميثاق نيروبي التأسيسي والاعلان الدستوري اللذان جاءا لتلبية تطلعات المجتمع لسودانٍ جديد تعلو معه وفيه قيم الحرية والسلام والعدالة، والعدالة الاجتماعية عبر التعليم .
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.