حرب السودان: عشرة دروس يجب ان تستقيها:-

صالح السليمي يكتب؛

يشهد السودان منذ أبريل 2023 واحدة من أعنف الحروب في تاريخه الحديث، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. لم تقتصر آثار الحرب على الدمار الجسيم للبنية التحتية والاقتصاد، بل امتدت لتفتك بالنسيج الاجتماعي والثقافي، وأعادت البلاد سنوات إلى الوراء. ورغم الفاجعة، فإن هذه الحرب تقدم دروساً عميقة لا بد من التوقف عندها، حتى لا تتكرر الأخطاء، وحتى يُبنى سلام حقيقي على أسس راسخة.
فيما يلي عشرة دروس مركزية يجب أن نستقيها من هذه الحرب:
1. لا بديل عن الدولة المدنية القوية
غياب الدولة المدنية وضعف مؤسساتها هو ما فتح الباب لظهور الميليشيات وتغول العسكر على الحياة السياسية. الدولة لا تُبنى بالبندقية، بل بالقانون، والشفافية، والعدالة.
2. تعدد الجيوش وصفة حتمية للانفجار
وجود أكثر من قوة مسلحة في البلد الواحد كما هو الحال مع الجيش وقوات الدعم السريع، وحركات المشتركة والكيكلاب، يعني أن اندلاع الحرب مسألة وقت لا أكثر. لا يمكن لدولة أن تستقر وفيها جيوش تتنازع الشرعية.
3. المحاصصة القبلية والجهوية تُضعف الدولة
عندما يُبنى النظام السياسي على أسس الولاءات القبلية أو الجهوية بدل الكفاءة والمؤسسات، يصبح هشًا وعُرضة للانقسام في كل لحظة توتر.
4. إهمال قضايا الهامش يقود إلى التمرد
لسنوات، تم تهميش مناطق مثل دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وهو ما أوجد بيئة خصبة للتمرد والاقتتال. التنمية المتوازنة ضرورة وليست ترفًا.
5. التسويات السياسية السطحية لا تصنع سلامًا دائمًا
الاتفاقات التي تُبنى على اقتسام المناصب دون معالجة جذور الصراع – مثل العدالة، والمحاسبة، والتمثيل الحقيقي – هي مجرد وقف مؤقت لإطلاق النار، لا أكثر.
6. الحرب تفتك بالمجتمع قبل أن تفتك بالخصوم
الأسر المشردة، الأطفال الذين حُرموا من التعليم، النساء المغتصبات، الاقتصاد المنهار – كل ذلك يبيّن أن من يدفع ثمن الحرب هم المواطنون العاديون، لا القادة.
7. الإعلام أداة حرب وسلاح في تشكيل الوعي
الخطاب الإعلامي الذي يشيطن الآخر ويغذي الكراهية ساهم بشكل كبير في تعميق الفجوة بين الأطراف، وخلق حالة استقطاب يصعب تجاوزها لاحقًا.
8. غياب العدالة الانتقالية يؤجل الانفجار فقط
كل تجربة ناجحة في تجاوز الحروب مرت عبر آلية عدالة انتقالية، تعترف بالضحايا، وتحاسب الجناة، وتبني الثقة. غيابها في السودان كان كارثيًا.
9. التدخلات الخارجية تزيد الصراع تعقيدًا
كلما تدخلت أطراف إقليمية أو دولية وفق أجنداتها الخاصة، ازداد الصراع تعقيدًا واستطالة. لا سلام حقيقي يُفرض من الخارج دون إرادة داخلية.
10. الشعب السوداني يستحق قيادة تُشبهه
رغم كل ما حدث، لا يزال الشعب السوداني يُظهر وعيًا، وصبرًا، وروحًا مقاومة مذهلة. هذا الشعب لا يستحق قيادة مهووسة بالسلطة، بل قيادة تعكس تطلعاته الحقيقية في السلام والعدالة والحرية.
ختامًا،
ليست الحرب قدرًا محتومًا. ولكن تجاهل دروسها هو ما يجعلها تعود في كل مرة. ولأجل السودان، لا بد من قراءة هذه الحرب بعين الناقد، لا بعين المنتصر أو المهزوم. فالوطن أكبر من الجميع، والسلام الحقيقي يبدأ بالاعتراف بالأخطاء وبناء مستقبل مختلف.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.