معركة المالحة .. نهاية أسطورة المشتركة

الفاشر – عين الحقيقة

تلوح في الأفق تساؤلات عديدة بشأن معركة محلية المالحة بولاية شمال دارفور، والتي إندلعت في الأسبوع الماضي، بالطبع تُعد معركة المالحة واحدة من أعنف المعارك التي شهدتها ولاية شمال بين القوات المشتركة وقوات الدعم السريع، وأخذت هذه المواجهات العسكرية حيزاً واسعاً من التغطية الإعلامية والمتابعة المحلية، نظراً للموقع الإستراتيجي لمحلية المالحة التي تبعد عن عاصمة الولاية الإدارية مدينة الفاشر 90 كلم شمالاً، فضلاً عن قربها من الحدود مع الولاية الشمالية التي تربط بين محلية الدبة وشمال دارفور، كما يمر بها الطريق الصحراوي الذي يربط بين ليبيا والسودان، مما يجعلها نقطة عبور تجارية هامة، ليس فقط على المستوى المحلي، ولكن أيضاً على المستوى الإقليمي، فضلاً عن ذلك، تحد المحلية الولاية الشمالية، التي تُعتبر ممراً حيوياً للتجارة بين السودان ومصر.

وبالنظر لموقعها الجغرافي المتميز، لعبت محلية المالحة دوراً اقتصادياً كبيراً للولاية، حيث تعتبر مركزاً رئيسياً لاستيراد السلع التموينية والمركبات من ليبيا، بجانب عوائدها الجمركية التي ترفد خزينة الولاية بإيرادات كبيرة، لذا فإن أي إضطراب أمني في هذه المنطقة ينعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي، ليس فقط في شمال دارفور، بل في مناطق واسعة من السودان الذي يعتمد على طرق التجارة العابرة للحدود.

وعلى مدار العقود الماضية، ظلت محلية المالحة تتمتع بدرجة من الاستقرار مقارنة ببقية بمحليات شمال دارفور، إبان سنوات حرب دارفور التي اندلعت عام 2003م وقد عُرفت المنطقة بحيويتها التجارية، حيث كانت الأسواق تعج بالحركة، وكانت القوافل التجارية تمر عبرها بشكل منتظم، كما ازدهرت الأنشطة الزراعية والرعوية، حيث تعتمد شريحة واسعة من سكان المحلية على تربية الماشية والزراعة كمصادر رئيسة للدخل.

غيرأن الوضع تغير مع تصاعد حدة النزاع بولاية شمال دارفور، فمعارك المالحة الأخيرة أدت إلى تعطيل النشاط التجاري، وتسببت في نزوح أعداد كبيرة من التجار والسكان المحليين، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الأسواق، بعد أن شهدت محلية المالحة في الأيام الماضية مواجهات عنيفة بين القوات المشتركة وقوات الدعم السريع، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف المشتركة، فضلاً عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين الذين وجدوا أنفسهم عالقين وسط تبادل النيران.

وبسبب المعارك العنيفة التي شهدتها المنطقة تعرضت العديد من المباني العامة، والأسواق والمرافق الصحية، والمدارس، لأضرار بالغة، وطال القصف العشوائي أجزاء واسعة من المحلية، مما جعلها غير صالحة للسكن بالنسبة لكثير من الأسر، ولذلك اضطر آلاف السكان إلى مغادرة منازلهم، متجهين نحو مناطق أكثر أمناً داخل الولاية، بينما حاول البعض الآخر الفرار نحو الولاية الشمالية بحثاً عن الأمان.

ومع استمرار القتال ازداد الوضع الإنساني سوءاً، وأصبح هناك آلاف النازحين يعانوا من نقص حاد في الغذاء والمياه والمساعدات الطبية، وأطلقت منظمات الإغاثة نداءات عاجلة للسماح بمرور القوافل الإنسانية إلى داخل المحلية، لكن استمرار المواجهات المسلحة ظل يعرقل وصول المساعدات، مما يهدد بحدوث كارثة إنسانية إذا لم يتم التحرك بسرعة، وأشار ناشطون حقوقيين إلى ان النازحين يفترشون العراء، بينما لجأ البعض إلى القرى المجاورة التي تعاني بدورها من نقص في الخدمات الأساسية، وأفادت بعض التقارير بأن عدداً من الأطفال والنساء فقدوا حياتهم بسبب الجوع وانعدام الرعاية الطبية في مناطق النزوح.

وفي ظل هذه الأوضاع، تزايدت المخاوف من أن تتحول المالحة إلى ساحة صراع طويل الأمد، نظراً لأهميتها الإستراتيجية، مما قد يعقد جهود التهدئة ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة، وفي السياق يرى مراقبون أن السيطرة على المالحة تشكل مكسباً استراتيجياً لأي طرف يفرض نفوذه عليها، لا سيما في ظل ارتباطها بشبكة الطرق التجارية التي تربط السودان بجيرانه، وبحسب معطيات الواقع نجحت قوات الدعم السريع مؤخراً في فرض سيطرتها على المحلية، مما مثل ضربة موجعة للقوات المشتركة والجيش السوداني.

وبالنسبة لبعض المحللين العسكريين فأن سقوط محلية المالحة في يد قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى إعادة ترتيب موازين القوى في شمال دارفور، خاصة إذا تمكنت هذه القوات من تأمين المنطقة والحفاظ على خطوط الإمداد عبر الحدود مع ليبيا، وفي المقابل ربما تسعى القوات المشتركة والجيش لاستعادة محلية المالحة نسبة لأهميتها الإستراتيجية للجيش والقوات المساندة له لإستعادة الفرق العسكرية بولايات دارفور الخمس، الأمر الذي ربما يؤدي إلى اندلاع جولة جديدة من القتال، وفي ظل استمرار المعارك بولاية شمال دارفور ستظل التساؤلات مطروحة بشأن مستقبل محلية المالحة، وما إذا كانت ستظل بؤرة للصراع أم أن هناك جهوداً فعلية تُبذل من قبل قوات الدعم السريع لاستعادة الأمن والاستقرار بالمنطقة؟.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.