الصراع في السودان .. بين أتون الحرب وصراع الإسلاميين

تحليل سياسي – عين الحقيقة

في خضم الحرب التي تشهدها البلاد، هي الأخرى أيضاً لم تخمد في إقليم دارفو، الحرب التي اندلعت شرارتها الأولى عام 2003 لا يزال الإقليم يعاني من تداعياتها حتى يومنا هذا، وعلى مدار عقدين ظل إقليم دارفور مسرحاً لصراع دموي بين الأطراف المتنازعة، حيث شهدت السنوات الأخيرة تصعيداً غير مسبوق، ولا سيما في ظل استمرار الحرب منذ أبريل 2023، مما يكشف عمق الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان بكل وضوح.

يرجع اندلاع الحرب في دارفور إلى اختلال موازين تقاسم السلطة والثروة في البلاد، وهي ذات الأسباب التي بقيت كأزمة عالقة منذ الاستقلال، ومع اندلاع الحرب الأخيرة في أبريل، برزت النخب المركزية التي دأبت على احتكار السلطة منذ انقلاب الجبهة الإسلامية القومية عام 1989، ساعية لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، رغم الفساد الذي كشفته ثلاثون عاماً من حكمهم، والذي تجسد في التدهور الاقتصادي، وثرائهم الفاحش على حساب المال العام، من امتلاك عقارات في الخليج والقاهرة، إلى السيارات الفارهة والمشاريع الاستثمارية المشبوهة في تركيا، وماليزيا، والخليج.

بالتالي لم يكن انفصال جنوب السودان عام 2011 مجرد نتيجة طبيعية للصراع المسلح، بل كان جزءاً من استراتيجية الحركة الإسلامية للانفراد بالسلطة، فمنذ توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005 بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان، عملت الحركة الإسلامية على إجهاض أي فرص لوحدة جاذبة، عبر دعم منابر إعلامية مثل “منبر السلام العادل” بقيادة الطيب مصطفى، لنشر خطاب عنصري معادي للجنوب، وعندما تحقق الانفصال، خسرت البلاد موارد اقتصادية هائلة، مما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة زادت من معاناة المواطنين.

وفي الوقت الذي كانت فيه الحركة الإسلامية تقاتل في دارفور، كانت أيضاً تخوض حروباً أخرى في جبال النوبة والنيل الأزرق، محاولة كبح جماح الحركات المسلحة التي رفضت الظلم، والتهميش السياسي والاقتصادي، استمر هذا النهج القمعي لعقود، في إطار مشروع سياسي شمولي قائم على الطغيان، ما جعل البلاد في حالة دائمة من النزاعات المسلحة.

ورغم المحاولات الحثيثة للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني لإحكام سيطرتهم المطلقة على السلطة والثروة في البلاد، جاءت ثورة ديسمبر المجيدة لتقطع عليهم الطريق، مما أدى لاحقاً إلى اندلاع حرب أبريل، التي أشعلتها الحركة الإسلامية عبر كتائبها ومنسوبيها داخل الجيش في محاولة لاستعادة نفوذها المفقود.

غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم، إذ تحولت الحرب إلى وبال عليهم، وأدت إلى سقوط حكمهم بعد أن ضحى آلاف الشباب بأرواحهم من أجل تحقيق شعارات الثورة: الحرية، السلام، والعدالة. ومع انهيار النظام، تكشفت فصول الفساد الذي استمر لعقود، لكن رغم ذلك لا تزال تداعيات تلك الحقبة تلقي بظلالها على المشهد، وسط صراع مستمر بين الجيش وقوات الدعم السريع، في معركة لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة تسع الجميع.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.

تواصل معنا على الواتساب

مرحبا بكم - عين الحقيقة

21:32